كنوز عُمان
- بقلم د. طارق العربي قناط- كلية الهندسة
سلطنة عُمان، تلك الأرض التي تتربع على حافة بحر العرب والخليج العربي، ليست مجرد بقعة جغرافية تزخر بالجمال الطبيعي، بل هي كتاب مفتوح من الكنوز التاريخية، والموارد الطبيعية، والعجائب الجيولوجية، والتنوع البيئي والمناخي، التي تجعل منها جوهرة شبه الجزيرة العربية.
هي تاريخ عريق وحضارة متجذرة، اذ تعود جذور الحضارة فيها إلى أكثر من خمسة آلاف عام، حيث كشفت الأبحاث الأثرية عن وجود حضارة عمانية ضاربة في القدم منذ 3000 سنة قبل الميلاد. اشتهرت سلطنة عمان قديماً بتجارة النحاس واللبان، وكانت موانئها مثل سمهرم مركزاً للتبادل التجاري مع حضارات مصر القديمة وروما وبلاد الرافدين. ومع دخول الإسلام في القرن السابع الميلادي، تحولت إلى قوة بحرية وتجارية امتدت علاقاتها إلى أفريقيا والهند والصين، لتصبح حلقة وصل بين الشرق والغرب.
مرت البلاد بفترات من التحديات والانقسامات، إلا أن أهلها نجحوا في توحيد صفوفهم في أوقات الأزمات، كما حدث في عهد الإمام ناصر بن مشرد اليعربي الذي وحد البلاد في القرن السابع عشر، ليبدأ عصر جديد من الشموخ والقوة.
أنعم الله عليها بموارد طبيعية غنية ومتنوعة، تشمل البر والبحر والساحل. تمتد سواحلها لأكثر من 3165 كيلومترًا، وتتنوع تضاريسها بين الجبال الشاهقة، والسهول، والأودية، والهضاب، والصحاري، ما يمنحها تنوعًا بيئيًا فريدًا رغم المناخ الجاف الذي يسود معظم مناطقها. هذا التنوع أتاح لعمان ثروة حيوية من النباتات والحيوانات، وجعلها موطناً للعديد من الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض.
تعد سلطنة عمان حديقة جيولوجية مفتوحة، إذ تحتضن جبال الحجر التي تمتد لمسافة 700 كيلومتر، وتضم صخورًا تعود إلى أكثر من 240 مليون عام. وتشتهر مناطق مثل وادي الجزي، وجبال صور، ووادي سبت، ورأس الرويس بتنوعها الجيولوجي المذهل. كذلك فالبلاد غنية بالأحجار الكريمة وشبه الكريمة مثل العقيق، والجمشت، والسترين، والتورمالين، والفيروز، والتي لا تزال كثير من كنوزها مخفية بانتظار المزيد من الاستكشاف العلمي.
بالإضافة إلى ذلك تتميز بتنوع مناخي واضح بين مناطقها، فبينما تسود الأجواء الصحراوية الجافة في معظم الأنحاء، تنعم محافظة ظفار بمناخ موسمي رطب خلال فترة الخريف، حيث تتساقط الأمطار وتكتسي الجبال حلة خضراء فريدة في المنطقة. كما تشهد تقلبات جوية موسمية، من هطول أمطار رعدية على جبال الحجر، إلى تشكل الضباب الكثيف على السواحل، وتصاعد الغبار في المناطق الصحراوية، مما يضفي على الطبيعة العمانية طابعاً ديناميكياً يستحق التأمل.
إلى جانب النفط والغاز، تحتضن موارد معدنية هامة مثل النحاس والكروم والجبس، إضافة إلى المياه الجوفية التي تغذي نظام الأفلاج التقليدي، أحد أقدم أنظمة الري في العالم. كما أن البيئة العمانية الغنية بالنباتات الطبية العطرية، مثل اللبان والصمغ العربي، أسهمت في تطوير الطب التقليدي، ولا تزال هذه الموارد محط اهتمام الباحثين في مجالات الطب البديل والصناعات الدوائية.
كنوز سلطنة عمان الحقيقية ليست في الذهب أو المجوهرات وحدها، بل في تاريخها العريق، وثرائها الطبيعي والجيولوجي، وتنوعها البيئي والمناخي، وفي روح شعبها الذي ظل عبر العصور حارسًا لهذه الكنوز، ومبدعًا في استثمارها. إنها تقف اليوم شامخة بين الأمم، تواصل مسيرتها الحضارية، وتفتح ذراعيها للعالم لتشارك كنوزها مع الجميع.
About the Author