X638311283768843821

 



Banner-02

كواليس جناح سلطنة عمان في إكسبو أوساكا.. تهاني الحوسنية تروي الحكاية

17 May, 2025 |
  • حاورتها: نسيبة بنت علي الكندية

 

تهاني بنت عبدالله الحوسنية، محاضرة بقسم التاريخ في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، وأحد أعضاء الفريق العلمي الذي عمل على إنجاز جناح سلطنة عُمان في إكسبو أوساكا 2025. قابلناها بعد عودتها من رحلتها إلى اليابان، لنسألها عمّا دار خلف كواليس التخطيط للجناح، وكيف تشكّلت قصته، ولتُطلعنا على محتوى الجناح وما يمثّله للزائر. وقد أسفر اللقاء عن حديث شيّق وممتع ومدهش، ليس عن جناح سلطنة عُمان فقط، بل عمّا هو أعمق وأبعد.

 

بداية مبكرة

عندما سألنا تهاني الحوسنية عن بداية القصة، أجابت بأن البداية كانت في الفترة ما بين ديسمبر 2022 ويناير 2023، حيث تواصلت معها المفوضية السامية المُكلَّفة بتمثيل السلطنة في جناحها بإكسبو دبي، وكانت حينها تحت إشراف وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار. وقد أُوكلت مهمة التصميم والسردية والتشغيل إلى مؤسسة “مصنع الابتكار”. خلال تلك الفترة، طُلب منها كتابة سردية إعلان جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري، الخاصة بتصميم جناح سلطنة عُمان في إكسبو أوساكا، والتي أُعلن عن انطلاقها في 1 فبراير 2023م. كان من المطلوب منها أن توضّح في محتوى الإعلان الفكرة المرجوّة من تصميم الجناح، من حيث الملامح العامة، والقيمة المشتركة ضمن مناطق العرض في إكسبو أوساكا، والتي كانت “التعايش”. ورغم أن التعايش يُفهم عادةً بوصفه تعايشًا دينيًّا أو طائفيًّا أو اجتماعيًّا، فإنها تناولت المفهوم من منظورٍ فطريّ، بعيدًا عن هذه التصنيفات، فطرحت فكرة التعايش بين الإنسان العُماني وبيئته، من خلال استغلاله لمواردها، وابتكاره للأدوات الجديدة في مجالات الزراعة، والصناعة، والحرف وغيرها. بعد أن كتبت السردية، دارت مناقشات بينها وبين “مصنع الابتكار” ولجنة التحكيم الخاصة بجائزة بلعرب، ثم أُعلن عن الجائزة بشروطها وفكرتها الأساسية، وبعد ذلك أُعلن عن الفريق الفائز والتصميم المعتمد. وهنا ظنّت تهاني الحوسني أن دورها قد انتهى.

تشكيل الفرق ووضع حجر الأساس

لكن في هذه المرحلة، وبعد انتقال مسؤولية المفوضية إلى وزارة الثقافة والرياضة والشباب برئاسة سعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي وكيل الوزارة، بدأ تشكيل الفرق: فريق تشغيلي، وفني، وعلمي، وإعلامي. تواصلت معها رئيسة الفريق العلمي، مريم الخربوشية، التي لم تكن تعلم في البداية أن تهاني هي من كتبت سردية الجناح، لضمها إلى الفريق العلمي. في مارس 2023، بدأت الاجتماعات بين أعضاء الفريق العلمي والمهندسين مصممي الجناح الفائز، للعمل على سردية تتوافق مع تقسيمات وألوان الجناح. كما عُقدت لقاءات مع المفوضية المسؤولة للاطلاع على أهم النقاط خلال توقيع الاتفاقيات والاجتماعات مع اللجنة المنظمة. وفي تلك الفترة، وُضع حجر الأساس لبدء بناء الجناح، وهذه كانت المرحلة الأولى في أبريل 2023.

البحث والتقصّي

أما المرحلة الثانية، فقد أسمتها تهاني بمرحلة “البحث والتقصي”، والتي تتحدّد فيها المبادئ والأسس التي ستُبنى عليها قصة الجناح وموضوعه. بدأ الفريق بالتعرّف على المجتمع الياباني، وهو أمر مهم، بخلاف إكسبو دبي الذي اجتذب شريحة واسعة من الزوار من المنطقة العربية والعالم، فإن زوّار إكسبو أوساكا يُتوقع أن يكونوا في الغالب من المجتمع الياباني والآسيوي. ولهذا، سعوا إلى فهم ثقافة هذا الشعب وتوجهاته تجاه الفعاليات المشابهة، من خلال القراءة، والاجتماع بالطلبة العمانيين المبتعثين في اليابان. توصلوا إلى نقاط مهمة، مثل احترام اليابانيين الشديد للخصوصية، وعدم تفضيلهم للأصوات المرتفعة أو الروائح النفّاذة. كما لاحظوا وجود روابط مشتركة بين العمانيين واليابانيين، منها التعلّق بالأرض، والتنوّع الثقافي. ومن ناحية تصميم الجناح، كان من المهم مراعاة أن أغلب سكان اليابان من كبار السن، مع قلّة الأطفال، مما يستدعي تصميم بيئة ملائمة. كذلك، تختلف نظرتهم للأسرة عنّا، لذلك كان من الضروري إيصال فكرة أن الأسرة العُمانية تحظى بمكانة مقدّسة، وتشكل جزءًا أصيلًا من تجربة الإنسان العُماني.

شعار وكلمة الجناح

بناءً على هذه المعرفة، تشكّلت فكرة “التعايش” انطلاقًا من ثلاثة محاور: الماء، والأرض، والإنسان. بدأت اجتماعات الفريق العلمي مع الفريق الإعلامي لتحديد شعار أو كلمة تعبّر عن الجناح، وخلصوا إلى عبارة “روابط ممتدة”، في إشارة إلى الروابط المتصلة في عُمان بين الإنسان وبيئته، من طرق وممارسات وأدوات ابتكرها ليتأقلم ويعيش، وأيضًا روابطه بتاريخٍ مليء بالأحداث والتحديات التي كوّنت مجتمعات بشرية حول الأفلاج والمصاطب الزراعية. بدأ الفريق بالعمل على السردية وفق هذه المحاور، مبرزين كيف شكّلت عناصر الماء والأرض والإنسان تجربة الإنسان العُماني، ومساهمتها في تشكيل هويته وسلوكه، وعلاقته بالماضي والمستقبل.

الماء والأرض والإنسان

أما المرحلة الثالثة، فقد وصفتها بالمرحلة “الصعبة”، إذ كان على الفريق توظيف المعارف الواسعة حول الماء، والأرض، والإنسان في عُمان، لبناء قصة الجناح وتحضير العرض الرئيسي. قُسّم الجناح إلى عدّة أقسام، تبدأ بممر يحوي اقتباسات من قصائد، وروايات، وأمثال شعبية تتعلّق بالماء وحضوره الثقافي. ثم تأتي قاعة العرض الأولى، التي تمحورت فكرتها حول تشكّل الحياة الفطرية في عُمان. تبدأ القاعة بقطرة ماء تسقط، ثم تبدأ الخليقة. عُرضت فيها أشكال الحياة الفطرية القديمة، حتى ما قبل الميلاد مثل الديناصورات، وتم الاستعانة بوزارة البيئة والشؤون المناخية، وكلية العلوم البحرية والزراعية بجامعة السلطان قابوس. كما وُظفت رموز من النقوش الصخرية مثل الوعل، بتعاون مع عالم الآثار الإيطالي أنجلو فوساتي. كان الهدف إبراز ما يُميز عُمان، وتجنّب ما هو موجود لدى الآخرين حتى لا يبدو الجناح تقليدًا مكرّرًا. ومن هنا، تم التركيز على النباتات العطرية، لكونها ساهمت في نشوء علاقات تجارية تاريخية، وربطت العُماني بالعطور كجزء من ثقافته.

الماء محور العرض الرئيسي

قبل الحديث عن العرض الرئيسي، تحدّثت تهاني عن اجتماعهم مع شركات الإنتاج الشبابية العُمانية، لشرح سردية الجناح، وطلب إنشاء عرض مرئي يُظهر الإنسان العُماني وهو يسابق الزمن ويتغلّب على التحديات. وبعد عدّة اجتماعات، وقع الاختيار على شركة “عكاسة”، التي طوّرت فكرة وجود ممر مائي ضمن تصميم الجناح، يُفتح تلقائيًّا بعد انتهاء الزائر من القاعة الأولى، لتبدأ لحظة العرض الرئيسي.

قصة الإنسان العُماني في الجناح

تقول تهاني: “الآن، أصبح لدينا قصة”. فالإنسان العُماني، كغيره من المجتمعات، وجد نفسه أمام طبيعة فطرية، يظهر فيها الوعل، ثم يتحول إلى نقش على الجبل، ويبدأ الإنسان حياته العادية: يأكل ويشرب، حتى يواجه الجفاف. حينها، فكّر الإنسان بشقّ الممرات المائية، فكان الفلج الذي ساهم في تكوين المجتمعات البشرية. تفاعلت هذه المجتمعات، ونتجت عنها ممارسات، وعلاقات، وأنظمة، وعادات. وفي هذه الجزئية، ركّز الفريق على إحياء الروابط المجتمعية، كالاحتفاء بالسخاء، والتعليم، والرقصات الشعبية، والمفردات العُمانية.

لوحات القاعة الخارجية

بعد ذلك، يأتي دور القاعة الخارجية، التي أُنجزت بالتعاون مع شركة “الفخامة” للعطور، لإنتاج رائحة تمثل الجناح. وعند سؤالها عن كيفية تجاوز التحدي المرتبط بالحساسية اليابانية تجاه الروائح القوية، أوضحت أن الفناء الخارجي مفتوح، وتم التأكيد على أن العطر جزء من ثقافتنا، وأن الروائح المُستخدمة هادئة، مستخلصة من نباتات طبيعية، مع الحرص على توضيح هذه الفكرة للزوار. في هذه المساحة، تُطلق فقاعات عطرية، وتُعرض ثلاث لوحات على جدار الجناح: الأولى تُظهر نقوشات حصن جبرين كرمز لنقلة نوعية في العمارة العُمانية، والثانية تمزج بين العمارة العُمانية واليابانية، والثالثة تُصوّر شجرتي المشمش والساكورا، لأن موسمهما متقارب، وشكلهما يحمل قيمة سياحية وجمالية لدى البلدين. وهذه هي اللوحة الختامية.

الفعاليات والانطباعات

عند سؤالها عن الفعاليات، أوضحت أن الجناح سيشهد أنشطة تمتد لستة أشهر، تستهدف قطاعات استثمارية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، ودبلوماسية. كل مرحلة لها توقيتها ومتطلباتها. وحول انطباعات الزوّار، أجابت أنه من المبكر التقييم، لكون المعرض افتُتح حديثًا، لكن الملاحظ هو الانجذاب العام للجناح، حيث يُستوقف كل زائر بجزئية مختلفة: رقصات شعبية، قلعة، نقوش، أو جبل. كما أن اللون الأحمر للجناح أثار اهتمامًا كبيرًا، لرمزيته في الثقافة العُمانية كدلالة على القوة والشجاعة، وهو كذلك لون له أهمية خاصة في الثقافة اليابانية. وبشكل عام، هناك قبول واهتمام ملحوظ وانطباعات مميزة.

 

About the Author