في إطار جهود جامعة السلطان قابوس لتعزيز البحث العلمي الموجه نحو قضايا المجتمع التربوي، يأتي مشروع “تصميم وتطوير مؤشر مدرسي إلكتروني قائم على البيانات حول المشكلات السلوكية لطلبة الحلقة الثانية” ليقدم رؤية مبتكرة في إدارة البرامج الإرشادية والتوعوية، مستندًا إلى تحليل علمي منهجي للبيانات، وذلك بدعم من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ضمن النسخة الثانية للبحوث الاستراتيجية لقطاع التعليم (RC/SR-EDU/PSYC/23/01). ولفهم أعمق لأبعاد المشروع وأهميته، كان لنا هذا الحوار مع الدكتورة أمل بنت محمد بن سالم الهدابية، الباحث الرئيس في المشروع وأستاذ مساعد في القياس والتقويم بقسم علم النفس في جامعة السلطان قابوس.
- بداية، دكتورة أمل، ما الدافع وراء تنفيذ هذا المشروع البحثي؟
لقد حظيت عملية اتخاذ القرار القائم على البيانات باهتمام كبير في القطاع التربوي، خاصة في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، حيث يتم استخدام البيانات لرصد الظواهر السلوكية وتعزيز الأداء الأكاديمي للطلبة، وتطوير الممارسات الشخصية، وزيادة الجاهزية للتعليم الجامعي. في المقابل، فإننا في سلطنة عمان لا نمتلك حتى الآن نظامًا وطنيًا منهجيًا لرصد وقياس المشكلات السلوكية على مستوى المدارس أو المحافظات التعليمية أو المستوى الوزاري. البيانات الموجودة – إن وُجدت – غالبًا ما تكون غير ممنهجة، وغير طولية، وتصدر من جهات خارج قطاع التعليم مثل منظمة الصحة العالمية أو وزارات أخرى كوزارة الصحة ووزارة التنمية الاجتماعية، وهذا يجعل الاستفادة منها في اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة محدودة للغاية.
- ما طبيعة هذه المشكلات السلوكية التي تعاني منها البيئة المدرسية؟
البيانات المتاحة – رغم تشتتها – تشير إلى تنامٍ واضح في حجم المشكلات السلوكية لدى الطلبة، ومن أبرز هذه المشكلات:
• المشكلات النفسية مثل الاكتئاب، القلق، ضعف الدافعية.
• المشكلات الاجتماعية مثل التنمر المباشر والإلكتروني، ضعف القيم، سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
• المشكلات الصحية كاتباع نمط حياة غير صحي، قلة ممارسة الرياضة، التدخين، تعاطي المخدرات، الإدمان على ألعاب الفيديو.
هذه الظواهر في تزايد مستمر، وتستدعي وجود أدوات علمية دقيقة لرصدها وتتبعها في مختلف المحافظات التعليمية، وبين مختلف الفئات العمرية، بهدف توجيه البرامج الإنمائية والوقائية والعلاجية بالشكل الأمثل.
- وما الذي يقدمه مشروعكم تحديدًا لمعالجة هذه التحديات؟
يسعى المشروع إلى تصميم وتطوير مؤشر إلكتروني مدرسي قائم على البيانات، لقياس المشكلات السلوكية لدى طلبة الحلقة الثانية من التعليم الأساسي، في المجالات الثلاثة التي ذكرتها: الإرشاد النفسي، الإرشاد الاجتماعي، والتوعية الصحية. هذا المؤشر سيكون أداة مركزية تتيح قياس مدى انتشار المشكلات، وتطورها، سواء بالزيادة أو الانخفاض، على مستوى المدرسة أو المحافظة أو الوزارة. كما أنه سيسهم في تعزيز ثقافة القرار القائم على البيانات لدى المختصين والمسؤولين في التخطيط والتنفيذ والمتابعة.
- هل سيتضمن المشروع أدوات أو مقاييس معينة؟
نعم، تضمن المشروع إعداد أو تقنين عدة مقاييس علمية في كل مجال من المجالات الثلاثة، بما يتناسب مع احتياجات المختصين من أخصائيين نفسيين واجتماعيين، وأخصائيي التوعية الصحية، وممرضي الصحة المدرسية والتي شملت: مقياس الصحة النفسية والاجتماعية (Social Emotional Health Survey/Covitality [SEH-S], Furlong et al., 2021)، ومقياس باسك لرصد المشكلات السلوكية والعاطفية (BASC-3 Behavioral and Emotional Screening System [BASC-3- BESS]; Kamphaus & Reynolds, 2015)، ومقياس الخطر الاجتماعي والأكاديمي والعاطفي السلوكي (Social, Academic, and Emotional Behavior Risk Screener (SAEBRS; Kilgus & von der Embse, 2015، ومقياس الصمود (Child and Youth Resilience Measure-28 (CYRM-28); Liebenberg et al., 2012)، ومقياس الرصد الطلابي (KIDSCREEN-27; Ravens-Sieberer et al., 2008)، ومقياس الإدمان على ألعاب الفيديو الإلكترونية (Lemmens et al., 2009)، ومقياس الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي (Zivnuska et al., 2019)، ومقياس الحصر المختصر للتبغ والمؤثرات العقلية (Brief Screener for Tobacco, Alcohol, and other Drugs [BSTAD]; Kelly et al., 2014)، وبناء مقياس القيم الرقمية للمرهقين في ظل التواصل الاجتماعي بما يتوافق مع البيئة العمانية. كما سيتم دراسة أثر المشكلات السلوكية على التحصيل الأكاديمي والمخرجات الشخصية للطلبة، وهذا عنصر مهم جدًا في دعم التعليم النوعي.
- ما الذي يميز هذا المؤشر عن المحاولات السابقة؟
الميزة الكبرى لهذا المؤشر هي أنه ممنهج، وطولي، وآمن، ويعتمد على تقنيات إلكترونية حديثة. سيتم حفظ البيانات على المستوى الوطني، وتوفير مؤشرات أداء دقيقة تساعد متخذي القرار في اختيار البرامج الأكثر فاعلية.
كما أن المشروع يتماشى مع رؤية عمان 2040، ويخدم مجموعة من المؤشرات الدولية المتعلقة بجودة التعليم والتنمية الاجتماعية، ما يجعله مشروعًا وطنيًا استراتيجيًا بكل معنى الكلمة.
- هل هناك تعاون مع جهات خارج الجامعة؟
بالطبع، المشروع ينفذ بدعم من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وبمشاركة مختصين من هاتين الجهتين، إلى جانب شركاء من مؤسسات القطاع الخاص، ما يعزز البعد الوطني والتكامل المؤسسي في تنفيذه.
- وأخيرًا، ما هي رسالتكم للمعنيين بهذا الشأن؟
لابد من دعم ثقافة اتخاذ القرار القائم على البيانات، لأن التحديات التربوية والنفسية والاجتماعية والصحية التي تواجه أبناءنا الطلبة تحتاج إلى استجابة علمية دقيقة، لا اجتهادات فردية. الاستثمار في أدوات الرصد والتحليل هو استثمار في جودة التعليم، وفي بناء الإنسان العماني بطريقة مستدامة.