- بلقيس بنت صالح الهشامية، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية.
رمضان مبارك في جميع بلاد المسلمين، ونفحاته الطيبة ترافقنا أينما كنا وحيثما ارتحلنا، ولا خلاف في ذلك. إلا أننا، ونحن بعيدون عن ديارنا، يسافر بنا الحنين إلى تجمعات رمضان المعجونة بألفة المنزل والعائلة. ولكن من قال إن العادات الرمضانية تغترب أو تبتعد وتحن! في عُمان، أينما ولى الواحد منا وجهه، يجد نفحات الألفة وفيض الترابط والوداد في كل مكان، وكأن الجميع أسرة واحدة!
وهذا ما يشهده رمضان في جامعة السلطان قابوس، إذ تمتد سفرة الإفطار لتضم طلاب الجامعة وموظفيها والعاملين فيها، القادمين من مختلف المناطق والبلدان، فتخلق جواً عائلياً يعوضهم عن مشاعر الغربة والابتعاد عن الأهل.
- ما أهمية الإفطار الجماعي؟
يُعد الإفطار الجماعي أكثر من مجرد وجبة تُكسر بها ساعات الصيام، بل هو جسر دافئ يربط الصائمين ببعضهم البعض كأسرة واحدة، مما يخفف عنهم شعور الغربة. حيث يجد المغتربون عن أسرهم في الإفطار الجماعي فرصة للشعور بألفة العائلة وسُفرة المنزل. كما يُسهم في تعزيز قيم التآخي والتلاحم، ويربط الجميع بمائدة واحدة تنسج بينهم مشاعر المودة والرحمة.
ولا تقتصر هذه الأجواء على كونها مجرد مائدة تجمعنا لتناول الطعام، بل تشمل أيضاً إحياء قيمنا الإسلامية التي أوصى بها الرسول ﷺ، إذ يقول: “يا أيها الناس، أفشوا السلام وأطعموا الطعام”، فتُسهم في إدراك روح الشهر الكريم الذي يجمع بين العبادة والرحمة، وتغرس في النفوس معاني الإحسان والتعاون، مما يجعل الإفطار في الجامعة ذكرى لا تُنسى تعكس جمال رمضان وروحانيته.
- تعزيز الروابط الاجتماعية والانتماء
يساهم الإفطار الجماعي في الجامعة في تعزيز الروابط الاجتماعية وتنمية شعور الانتماء بين الطلاب والموظفين، كما يوفر فرصة للالتقاء بأشخاص لم يكن هناك تواصل معهم منذ فترة. فهو يجمع الطلاب من مختلف الكليات، والموظفين والعاملين من خلفيات متعددة، في أجواء يسودها الود والتآلف، مما يساعد في بناء علاقات جديدة وتقوية أواصر المودة بينهم، خاصة لأولئك الذين يبتعدون عن عائلاتهم خلال الشهر الكريم. كما أنه يعزز روح الجماعة والتعاون داخل الحرم الجامعي.
بالإضافة إلى ذلك، يعكس الإفطار الجماعي قيم العطاء والتكافل، حيث يتشارك الجميع لحظات روحانية تعزز الشعور بالألفة والطمأنينة، مما يجعلهم يشعرون بأنهم جزء من عائلة كبيرة تحتضنهم في هذا الشهر المبارك.
- أثر الإفطار الجماعي على الصعيدين الروحي والاجتماعي
يحمل الإفطار الجماعي في جامعة السلطان قابوس خلال شهر رمضان العديد من الفوائد على الصعيدين الروحي والاجتماعي.
• على المستوى الروحي، يخلق الإفطار الجماعي أجواءً مليئة بالخشوع والوئام والتنافس في الخير، حيث يجتمع الجميع في أجواء روحانية تملؤها الرحمة، امتثالًا لقول الرسول ﷺ: “من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً”. فديننا يدعونا إلى الألفة والمحبة وتوثيق الصلات، ويعد الإفطار الجامعي وسيلة عظيمة لتحقيق ذلك.
• أما على الصعيد الاجتماعي، فيسهم الإفطار الجماعي في تعزيز التواصل بين الحاضرين، حيث يجتمع الطلاب والموظفون لتبادل هذه التجربة الدينية الروحانية ويتشاركون خلالها الأحاديث والتجارب والضحكات، مما يعزز من تواصلهم وتآلفهم. كما يعوضهم عن شعور الغربة والبعد عن الأهل، حيث يجدون في تجمعهم عائلة أخرى تشاركهم هذه اللحظات، مما يعزز علاقتهم الاجتماعية ويخلق روح الأخوة والتعاون.
ومن أبرز تجمعات الإفطار التي أقامتها الجامعة مؤخرًا، الإفطار الجماعي التابع لجماعة “صوت المجتمع” تحت شعار “حي على اللمة، وحي على الخير”، والذي يعد الحدث الرمضاني الأكبر في الجامعة. وقد شمل الجميع بالنية الحسنة، وجمع الطلبة على العطاء والمبادرة لفعل الخير والإحسان.
- رمضان.. توحيد للقلوب رغم المسافات
يظل ارتباط الإنسان بجذوره ووطنه شعورًا متأصلًا لا تمحوه المسافات، فذكرياتنا وعاداتنا تظل تسكن قلوبنا أينما حللنا. لكن يأتي رمضان بروحانيته التي توحد القلوب وتؤلف بين الأرواح رغم اختلاف الأماكن والحدود، فيحيي فينا قوله سبحانه وتعالى:
“وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” [آل عمران: 103] ليكون فرصة لتجديد الوحدة والمودة، وتعزيز التقوى وروح الأخوة، روح الجسد الواحد، روح الإيثار والجود.