الهيدروجين الجيولوجي: استكشاف آفاق جديدة في مكافحة تغير المناخ
- د. محمد الغالي، قسم علوم الأرض
الهيدروجين الجيولوجي يمثل خيارًا مميزًا كمصدر للطاقة النظيفة، حيث يساهم في تعزيز تنوع مصادر الطاقة وتقليل التأثيرات السلبية على البيئة من خلال خفض الانبعاثات الكربونية. لتحقيق هذا الهدف، يتطلب الأمر تطوير تقنيات متقدمة لاستكشاف الهيدروجين ودعم السياسات الملائمة، مع تعزيز التعاون بين الدول لمواجهة تحديات تغير المناخ. تشير الدراسات الدولية إلى أن التحول نحو تقنيات تقلل الكربون أمر بالغ الأهمية لخفض الانبعاثات بنسبة ملحوظة بحلول عام 2030، وهو ما يسهم في تحقيق التزامات اتفاق باريس للمناخ. إضافةً إلى ذلك، يمكن للجهود العالمية للحد من انبعاثات الميثان والكربون الأسود أن تؤدي إلى تحسينات كبيرة في استدامة الموارد الطبيعية وتقليل تأثيرات الاحترار العالمي. من هذا المنطلق، يمثل الاستثمار في استكشاف الهيدروجين الجيولوجي خطوة استراتيجية نحو بناء مستقبل أكثر استدامة. يلعب هذا المصدر الطبيعي دورًا رئيسيًا في الحد من الانبعاثات الضارة، ودعم التحول العالمي نحو استخدام مصادر طاقة نظيفة وآمنة.
الهيدروجين الجيولوجي، المعروف أيضًا باسم الهيدروجين الطبيعي أو الأبيض، هو مورد طبيعي يتواجد في أعماق الأرض ويتشكل عبر مجموعة من العمليات الطبيعية. تشمل هذه العمليات تفاعلات الماء مع الصخور، مثل السربنة، واختزال بعض المعادن، مما يؤدي إلى إنتاج كميات قابلة للاستخراج من الهيدروجين. بخلاف الهيدروجين الأخضر الذي يُنتج باستخدام مصادر الطاقة المتجددة والتحليل الكهربائي، يتميز الهيدروجين الجيولوجي بوجوده الجاهز في الطبقات الأرضية العميقة، ما يجعله خيارًا واعدًا للطاقة النظيفة.
تعتمد استكشافات هذا المورد على دراسة مناطق جيولوجية معينة، مثل الفوالق العميقة والصخور الفوق قاعدية، إضافة إلى القشرة المحيطية حيث رُصدت تسربات طبيعية للهيدروجين. هذه الدراسات تساعد في فهم آليات تكوينه وتحديد المواقع التي يمكن استخراج الهيدروجين منها بشكل مستدام لتلبية احتياجات الطاقة المستقبلية.
- تقنيات الاستكشاف والتحديات
تشمل استكشافات الهيدروجين الجيولوجي تطبيق تقنيات جيوفيزيائية متطورة مثل المسوحات الزلزالية، وطرق الجاذبية، والمغناطيسية، والكهربائية، بالإضافة إلى جمع عينات الغاز من أماكن التسربات والآبار. يتجسد التحدي الرئيسي في تحديد الخزانات القابلة للاستخدام التي تحتوي على تركيزات ومعدلات تدفق كافية تجعل عملية الاستخراج اقتصادية. وبخلاف الوقود الأحفوري التقليدي، يعتبر الهيدروجين جزيئًا صغيرًا للغاية يمكنه التسرب بسهولة عبر الصخور المسامية، مما يجعل احتوائه عنصرًا حاسمًا في عمليات الاستكشاف والاستخراج.
- الدور في تخفيف تغير المناخ
تعد قدرة الهيدروجين الجيولوجي على تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة من أبرز العوامل التي تعزز استكشافه واستغلاله. فعند احتراقه أو استخدامه في خلايا الوقود، يتحول الهيدروجين إلى بخار ماء فقط كمنتج ثانوي، مما يجعله مصدرًا للطاقة خاليًا من الانبعاثات. هذه الخاصية تجعل الهيدروجين الجيولوجي عنصرًا أساسيًا في استراتيجيات إزالة الكربون العالمية، لا سيما في القطاعات التي يصعب تحويلها إلى كهرباء، مثل الصناعات الثقيلة، والطيران، والنقل البري لمسافات طويلة.
- الفوائد الاقتصادية والبيئية
يقدم استخراج الهيدروجين الجيولوجي مجموعة من الفوائد الاقتصادية، حيث يمكن أن يساهم في خلق فرص عمل في مجالات الاستكشاف والتكنولوجيا، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. من الناحية البيئية، يُعتبر الهيدروجين مصدرًا للطاقة أكثر نظافة واستدامة. وبما أن الهيدروجين الجيولوجي يتواجد طبيعيًا ويحتاج إلى معالجة قليلة، فإن بصمته الكربونية تكون أقل بكثير مقارنة بالهيدروجين المنتج من الغاز الطبيعي أو الفحم.
بدأت العديد من الدول، مثل سلطنة عمان وفرنسا وأستراليا والولايات المتحدة، في تخصيص استثمارات كبيرة نحو أبحاث الهيدروجين الجيولوجي. ويزداد وعي صانعي السياسات بأهمية دمج هذا المورد الطبيعي ضمن استراتيجيات الطاقة النظيفة العالمية. ومع ذلك، يبقى التعاون الدولي ووضع معايير تنظيمية واضحة أمرًا أساسيًا لضمان ممارسات استخراج تكون مستدامة وآمنة.
يعد استكشاف الهيدروجين الجيولوجي فرصة مميزة لدفع التحول العالمي نحو مصادر طاقة أنظف. من خلال الاستفادة من احتياطيات الهيدروجين الطبيعي، يمكننا الاقتراب من تحقيق هدف صافي الصفر، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الكثيف الكربون، والتخفيف من آثار تغير المناخ. مع تقدم التكنولوجيا والبحث العلمي، من المتوقع أن يتزايد دور الهيدروجين الجيولوجي في منظومة الطاقة العالمية بشكل كبير.
About the Author