X638311283768843821

 

 

anwar bannar (2)

 

 

 

"كيف أصبحتُ كاتبًا؟" لبول أوستر:

23 Dec, 2024 |

 

  • قرأت الكتاب: د/ سناء بنت طاهر الجمالية-أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية 

قرأتُ مؤخرًا مجموعة من الكتب، كان منها كتاب صغير الحجم، لكنّه ممتع وعميق في موضوعه؛ هذا الكتاب هو: "كيف أصبحتُ كاتبًا؟" للكاتب الأمريكي، الذي يعدّ واحدًا من أهم الكتّاب والروائيين الأميركيين في العصر الحالي. الكتاب من ترجمة أحمد الطائف وتحرير مروة الإتربي، وهو صادر عن منشورات حياة/ جدّة، في (2023)، وهو عبارة عن لقاءات أدبية أجراها الكاتب مع قناة "لويزيانا"، يسرد فيها علاقته بالقراءة والكتابة التي بدأت في سن التاسعة وأخذت بالنضج في سن العشرين، فقد كتب في البداية الشِّعر الذي منحه إحساسًا متميّزًا بالاتصال مع العالم من حوله، ممّا دفعه بعد ذلك لمحاولة كتابة القصة ثم الرواية، كما خصص -في الكتاب- جزءًا من حديثه عن تجربته في كتابة روايته العملاقة: "1234". وقد أوضح أنَّ هناك نوعين من الكُتّاب: المنعزل عن الأضواء الذي يحبّ التركيز في كتاباته دون أيّ ضوضاء وهذا النوع هو الذي -غالبًا- ما ينتج أفضل الأعمال الأدبية وأعمقها، والمنخرط في الحياة الاجتماعية الذي يحبّ مواكبة الأحداث في مجتمعه والعالم وأنْ يكون في الأضواء، ولا بأس في أنْ يكون الكاتب كذلك، لأنَّه يستقي مواضيعه ومواقفه ممّا يحدث حوله. إذن، تكمن أهمية هذا الكتاب فيما يرويه الكاتب عن تجربته في الكتابة وعمّا يؤمن به، موضِّحًا من خلال ذلك ضمنيًّا الخطوات التي يفضّل أنْ يتبعها الكُتّاب الناشئين ليبرعوا ويبدعوا في كتاباتهم، وتتمثّل هذه الخطوات في الآتي:
- اهتمام الكاتب بالقراءة، فيمارسها بانتظام، لأنَّها هي التي تمنحه الدافع للكتابة صاقلة لموهبته ورؤيته للحياة. 
- يكرّس الكاتب نفسه للكتابة، فيفضّل أنْ يكتب يوميًّا ليهذّب موهبته، وألّا يفقد الشغف بالكتابة البتّة.
- إيجاد مكان محدد للكاتب أو مفضّل لديه للكتابة فيه، يمكّنه من ممارسة طقوسه الخاصّة به المرتبطة بالكتابة فيه، مثل: المشي في غرفة الكتابة ذهابًا وإيابًا من جهة إلى أخرى إلى أنْ تنضج الفكرة، مشدِّدًا على نقطة ارتباط الفكرة ونموّها بحركة الجسد.
- أنْ يتّسم الكاتب بدقة ملاحظة محيطه، ليحسِّن تصويره أو إعادة إنتاج عوالم متناسقة ومتسقة في قصصه ورواياته شبيه بالمحيط الذي يعيش فيه أو قريبة منه؛ ليكون النص الأدبي منطقيًّا وواقعيًّا، فالحياة الواقعيّة تثري خيال الإنسان لتضَمّنِها احتمالات عدة، ممّا يعني أنَّ كاتب القصة أو الرواية يجب أنْ يبني شخصياته السردية بواقعية شديدة متناسبة مع بيئتها ومستوياتها كافة، ومع الجوانب التكوينية الخاصة بها، وأنْ يكون ملمًّا بالمرحلة الزمنية التي يصوّرها، وبالبيئة الاجتماعية الواردة في النص الأدبي أيضًا. 
- يحسّن الكاتب من مخزونه اللُّغوي ويثريه، وأنْ يكون دقيقًا في استخدام مفرداته، والابتعاد عن الإسهاب دون داعٍ، فيجب أنْ يسمح للقارئ بإطلاق خياله في بعض الجوانب شبه الغامضة أو الرمزية في النص الأدبي، وإسهاب الكاتب لن يسمح بتطوّر خيال القارئ، الذي قد يثري طريقة فهم النص السردي المقروء.
- إدراك الكاتب أنَّ الفقرة في النص النثري هي فِقْرة مهمّة ضمن العمود الفقري الذي يقيم هيكل النص كلّه؛ لذلك عليه تجويد كلّ فقرة من فقرات نصّه، فيعيد قراءة ما كتبه غير مرّة، وينقّحه.  
- أنْ يتقبّل الكاتب فكرة تداخل بعض جوانب حياته مع الشخصيات السرديّة المصوّرة في بعض نصوصه الأدبية، فلا يخجل من ذلك ولا ينفي الأمر.
- إيمان الكاتب أنَّه لا توجد حدود لمخيّلته الأدبيّة، ممّا يعني أنَّه يمتلك قدرة كبيرة وخيالًا خَصْبًا يمكِّنانه من تصوير أيّ فكرة جديدة بأسلوب لا يخلو من ابتكار وأصالة في آنٍ معًا.
- تقبّل الكاتب فكرة أنّه غير مسيطر على سَيْر كتابته كليًّا، فقد تتطوّر أحداث النص السردي بطريقة غير متوقّعة والشخصيات السرديّة أيضًا، ممّا يسبّب له مفاجأة؛ فإنْ حدث له ذلك فما عليه إلّا أنْ يتقبّل هذا التطوّر غير المتوقّع سامحًا له بالظهور.
- أنْ يُحسِن الكاتب انتقاء عنوان النص الذي أنتجه؛ ليوحي بمضمون العمل المُنتَج، وأنْ يكون مقبولًا للقراء لإحساسهم أنّه مرتبط بثقافتهم أيضًا.
- إيجاد الكاتب نوعًا من المصداقية والحميميّة بينه وبين القارئ من خلال ما يكتبه، فالكاتب يتوجّه في نصه إلى قارئ محدّد، يخلقه في ذهنه موجّهًا إليه ما ينتجه من كتاباته التي تكون مثل حديث دائر فيما بينه وبين ذلك القارئ، ممّا ينبني عليه قَبول الكاتب تعدّد التأويلات لنصّه الإبداعي وَفقَ تنوُّع ثقافة قرائه الذين يعدّون الجمهور المتصوَّر في ذهنه، الذي يوجّه الكاتب أدبه له. 
    هذا هو مضمون كتاب: "كيف أصبحتُ كاتبًا؟" لبول أوستر، وهو كتاب مهم؛ لأنّه ينقل عصارة تجربة أحد أكبر الكتّاب العالمين في مجال الرواية، ممّا يستوجب توقّفنا عنده لقراءته واستيعابه وتمثّل تجربته، سواء أكنا من الكتّاب الناشئين، أم من دارسي الأدب. 
  
 


 

About the Author