تحقيق العدالة المناخية في سلطنة عمان
- أ.خليفة بن سليمان الزيدي -باحث مشارك بمركز الدراسات والبحوث البيئية
توصف العدالة المناخية بأنها مجموعة من الالتزامات تجاه المجتمعات التي تتأثر بشكل غير متكافئ بتغيرات المناخ. تدفع بعض الدول تكاليف باهظة نتيجة للتغيرات المناخية مقارنة بغيرها، كما تتأثر بعض المجتمعات بتداعيات التغير المناخي أكثر من مجتمعات أخرى. أن عدم تحقيق العدالة المناخية قد يغيّب حقوق بعض الدول، ويفاقم من معاناة بعض المجموعات البشرية ويبطئ من نمو الكثير من المناطق العمرانية الهشة. في هذا السياق، تعمل سلطنة عمان على توظيف الأطر الدولية والاستراتيجيات المحلية كأداة لتحقيق العدالة المناخية، في طريقها للتخفيف من آثار تغير المناخ على المستوى العالمي، والتكيف على المستوى المحلي دون الاخلال بخططها التنموية ونمو اقتصادها واحتياجات توسعها الحضري.
إن سعي بلادنا لتحقيق العدالة المناخية يتشكل من خلال مجموعة من الإجراءات والبرامج الوطنية، بما في ذلك دورها الريادي كدولة عضو في اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، ودور المؤسسات العمانية المختصة بالشأن المناخي في ترجمة أهداف واستراتيجيات العمل المناخي ومضاعفة الجهود على المستويين المحلي والدولي في هذا الشأن. إذ تلعب بلادنا دورًا مهما ونشطًا من خلال فريقها التفاوضي في مؤتمرات الدول الأطراف في الاتفاقية (Cop) لضمان تحقيق العدالة بين الدول، فيما يتعلق بتنفيذ التزامات العمل المناخي العالمي، وبما يخلق توازنا بين الانبعاثات التي تطلقها كل دولة من جهة، والتزاماتها الدولية ومساهماتها المحددة وطنيًا من جهة أخرى.
لقد أصبحت سلطنة عمان دولة رائدة في العمل المناخي، نتيجة للخبرة المعرفية التراكمية في التعامل مع الحالات المناخية المتطرفة. وقد عززت خطط الجاهزية التي تتبعها في مواجهة الحالات المدارية على المرونة والقدرة على التكيف ومواجهة الكوارث الطبيعية وخلق الحلول المحلية المبتكرة للتخفيف من الآثار المدمرة للحالات المطرية الاستثنائية. تتضمن بعض الحلول المتبعة فيها خطط وتدريبات للتعامل مع الحالات المدارية وموجات التسونامي والمنخفضات الجوية العميقة، وإجراءات محددة للتأهب والاستجابة والتعافي قبل وأثناء وبعد الحدث المناخي. وتحقيقا للعدالة المناخية بين السكان، تتعامل الجهات المختصة في البلاد مع السكان بروح واحدة دون تمييز في الجنس أو العمر أو الأصل. يتساوى السكان العمانيين مع السكان الوافدين في الحصول على الدعم المناسب في الظروف الجوية المتطرفة، كما يتساوى الجميع عند معالجة الأوضاع بعد العاصفة. يشترك السكان بجميع فئاتهم العمرية، ذكورا وإناثا، عمانيون ووافدون في تقديم المساعدة لأخواهم المتضررين، والوقوف جنبا إلى جنب مع الجهات الحكومية لإرجاع الخدمات العامة وتنظيف الطرق حتى تعود الحياة الاجتماعية الطبيعية للمناطق المتضررة.
وسعيا لتحقيق العدالة المناخية والبيئية قامت الدولة ببناء مدينة "الطيب" في ولاية لوى التي خُططت بناءً على أمر من السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد (طيب الله ثراه) ونصت على نقل السكان المتأثرة ممتلكاتهم بيئيا بأنشطة ميناء صحار إلى مخطط سكني متكامل الخدمات لينعم جميع السكان، دون استثناء، بيئية صحية وسليمة. وتعد المدينة نموذجًا متكاملًا لتطبيق سياسات ومعايير التخطيط العمراني المستدام، خصوصا من حيث القدرة على التعاطي والاستجابة مع الحالات المناخية المتطرفة، وذلك من خلال نظام تصريف كفء لمياه الأمطار، ومن ثم حماية المدينة من مخاطر الفيضانات والسيول المفاجئة. كما صممت المدينة بالشكل الذي يعزز فكرة أنسنة المدن من خلال إنشاء ممرات خاصة بالمشاة وأخرى للدراجات الهوائية، وتدعيم البنية الأساسية الخضراء.
أيضا دأبت الجهات المختصة في إعلان نشراتها وتعليماتها حول الحالات المطرية المختلفة بعدة لغات أو عن طريق التواصل المرئي، الذي يساهم بدوره في توصيل المعلومة المناسبة للشخص المستحق بغض النظر عن لغته أو جنسيته. كما تسعى المؤسسات المعنية لتحقيق العدالة في وصول المعلومة الصحيحة والتوجيه المناسب للسكان كافة دون تمييز. كذلك يتم فتح مراكز الإيواء أثناء الحالات المدارية والعواصف المطرية للسكان (عمانيين ومقيمين) دون تفضيل، أيضا يحظى الشباب بفرصة كبيرة للمساهمة في إدارة الجهود الوطنية للتعامل مع الحالات المدارية برغبات شخصية وجهود تطوعية في صور تعكس روح التكافل والتعاون التي تحملها الهوية العمانية. وفي اجراء يترجم العدالة بين الرجل والمرأة في الأزمات المناخية قامت مؤسسة عهد الخيرية بتسيير قافلة مساعدات تستهدف المرأة العُمانية والمُقيمة وذلك من خلال توفير المستلزمات النسائية ومستلزمات الأطفال من الأسر المتضـررة جرّاء إعصار شاهين الذي ضرب سواحل البلاد الشمالية في أكتوبر 2023.
ورغم طبيعة سلطنة الجغرافية المتنوعة، تحرض الجهات المختصة على إيصال المساعدات وارجاع الخدمات العامة وشق الطرق في جميع المناطق التي تتأثر بالحالات المطرية في أقرب وقت ممكن. ومع وجود بعض التحديات في معالجة الأوضاع أحيانا، خصوصا في المناطق الريفية مقارنة بالمناطق الحضرية، إلا أن اللجان المختصة بمعالجة الأضرار الناتجة عن الحالات المطرية تحرص على إيصال المستلزمات الضرورية في أقرب فرصة، مع تضافر كل الجهود المدنية والعسكرية لتذليل الصعاب وإعادة الخدمات الأساسية للكهرباء والماء والاتصالات بعد انحسار الحالات المطرية مباشرة. أيضا يتم تقييم الأضرار وحصر الأسر المتضررة ومن ثم تقديم المساعدات المالية والعينية للأسرة المحتاجة دون تمييز تحقيقا للعدالة في التعويض، إذ لا يوجد مهمشين، ولا توجد فئوية محددة في الإجراءات.
About the Author