X638311283768843821

 



  

Banner-02638735669713724437

 

أيها الخالدُ فينا

18 Nov, 2020 |
  • أ.نجاة بنت صالح الكلبانية / مركز الدراسات التحضيرية.

 

ما الذي يجعل بعض البشر خالدين في ذكراهم فحين ترحل أجسادهم تظل أرواحهم باقية؟ إن ارتباط أحدنا بقضيةٍ ما هو ما يحقق له البقاء في هذه الدنيا. فقد جعل الله لنا مدة زمنية محددة نحياها على هذه الأرض وبانتهائها ينقطع ذكرنا ولكن من اختار أن يخلّد اسمه يقدّر الله له ويقيض له قضيةً أو رسالةً تشغل باله فيخصص لها وقته وجهده وطاقته، ويجند لتلك القضية الأتباع الذين يكونون عونًا له ومن ثم يتحملون المسؤوليةَ من بعده فيضمن بذلك استمرارية تلك الرسالة التي اختارها.

في اللقاء الذي أجراه الصحفي الكويتي أحمد الجار لله مع السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور - طيب الله ثراه - في 11 من مارس من عام 2006 صرح السلطان بعبارةٍ عميقةٍ أصبحت لاحقًا من أشهر عباراته - وعبارات السلطان قابوس الشهيرة لا حصر لها - وتلك العبارة هي "لا شيء لي وكل شيء لعُمان وأهلها".

كانت عُمان ومنذ تسلمه لمقاليد الحكم هي الشغل الشاغل للسلطان قابوس، جعل تطوير هذه البلاد رسالته وسخر لها حياته، أحبها فبادلته بحبٍ أكبر. عمل لها وحرص أن يطوفها شبرا شبرا يتعهدها بالرعاية ويقف على كل جانبٍ يستدعي الاهتمام. لم يكن يتوانى أن يقطع الوديان ويقود سيارته لساعاتٍ طوال في طرقات السلطنة الوعرة والمتشعبة وعلى مساحاتها الممتدة ليلتقي بأبناء شعبه الأعزاء. أراد لبلادنا أن تنهض وأن تستعيد شأنها وأمجادها العظام، فما كان من عُمان الكريمة إلا أن ردت له الدين ومنحته القدر نفسه من الحب فرفعته خالدًا مُخلدًا في كل زاوية من زواياها، فأينما نولي أنظارنا فثمة أثرٍ لقابوس ومجدٍ مسطرٍ لن يُنسى.

كتب الله لقابوس أن يحيا فينا ما حيينا وسيرحل من يرحل منا حين تحين ساعته وسيظل قابوس هنا مرتبطًا اسمه باسم عُمان التي لطالما عمل لأجلها، قابوس الذي اختار أن يكون صاحب رسالة وليس صاحب سلطة، فالسلطةُ محكومةٌ ببعدٍ زمني أما الرسالةُ فتبقى ما دام لها من يحملها عبر الأجيال، والسلطان قابوس اختار عُمان لتكون هي رسالته، رحل السلطان قابوس ورحيله قد أوجعنا - ولا زال - ولكن ستبقى رسالته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. لم يختر السلطان قابوس كرسيًا أو قصرًا أو تمثالاً أو مَعْلمًا ليضمن بقاء اسمه خالدا من بعد رحيله وإنما اختار عُمان فأحسن الاختيار، وهكذا هم العظماء على مدى التاريخ يدركون تمامًا الفرق بين ما يستحق الخلود وما يكون مآله إلى الزوال فيضعون استثمارهم فيما يستحق.

لا يستحق الخلودَ إلا من يرتقي فوق هوى النفس ويسمو فوق المصلحة الشخصية فلا يسخّر وقته طمعًا في رفع اسمه عاليًا وفي الحصول على امتيازات وتحقيق مصالح ينتفع هو من وراءها. من يحظى بحق الخلود هو من يعمل من أجل رفعة وطن ومن أجل تحقيق الأمن لذلك الوطن وقاطنيه ومن يسعى في منفعة الناس وتحقيق احتياجاتهم. فلا خلود لأناني، وكل الخلود لمن ترك مصلحته الشخصية جانبًا وسعى لرعاية مصالح من هم في مسؤوليته.

هكذا كان قابوس وهذا ما قاله لنا ولغيرنا:

"إني هنا أعمل لعُمان أرضًا وشعبا، بل إن كل عملي لها ولشعبها. ولعل اختلاطي الدائم بهذا الشعب وفر له قناعة بأن عملي محبب إليه، ومحل رضاهم، وفي الواقع فأنا لا أعمل لشيء لي بل لهم. إن متعتي هي أن أرى بلدي، وأرى شعبي بالصورة التي تخيلتها من أول يوم تسلمت فيه السلطة إنني أشعر بأني صاحب رسالة ولست صاحب سلطة، لذلك ترى وقتي مكرسًا من أجل عُمان وأهلها"،

نم قرير العين قابوسنا وأعلم أنه بالرغم من رحيلك عنا إلا أنك ستظل الخالد فينا.

 

 

 

 

About the Author