القراءة: أهميةً وأهدافًا
- د. ميمونة الزدجالية - أستاذ مشارك- بكلية التربية.
قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت، تقاس فاعلية القراءة بمدى الاستيعاب والمفاهيم المكتسبة من خلالها، وبمدى القدرة على استبقاء المفاهيم والمبادئ والمعلومات، وعلى استدعائها عند الحاجة إليها واستعمالها بصورة سليمة وسريعة. إن القراءة تُحد بأنها عملية تتكون من تمثل البيانات البصرية عن طريق العين، وتعرف الأحرف والكلمات، وربط المفردات المقروءة بالمعنى الكلي للنص، وربط المعلومات المقروءة بالمخزون المعرفي للقارئ، وتخزين المعلومات في الذاكرة بفاعلية، وتذكر المعلومات التي تحتاج إليها، واستثمار ما استبقى من معلومات في التواصل الفعال مع الذات ومع الآخرين، بحسن التعبير والإنصات إذ يكون التواصل مع الذات بالتفكير ومع الآخرين بحسن التعبير والإنصات. وعليه فإن القراءة عملية شخصية دينامية لاستقبال المعلومات عن طريق العين والعقل، يستثمر المرء فيها خبراته الحياتية، واتجاهاته وأفكاره ومشاعره، ومخزونه المعرفي ومحادثاته وأعماله وملاحظاته ومشاهداته، أي إنه يستثمر كل مقوماته الشخصية بأبعادها العقلية والجسمية والوجدانية والاجتماعية، ولذا تتباين مهارات القراءة من فرد لآخر في عناصرها ومقومات النجاح في إتقانها. وهي أيضا عملية تفكير، وعلى ذلك فإن القارئ المقتدر هو الذي يحدد أهدافه القرائية ثم يقرأ ليلتقط ويستوعب الأفكار والحقائق بقصد. فالقراءة المتأنية، وتطبيق التقنيات الخاصة بالقراءة التصفحية الدراسية، كما تمليها الحاجة والأهداف تزيد من فاعلية القراءة وسرعتها وإمكانية الاستفادة منها. وهي فن لا يمكن الوصول به إلى قمة الإتقان تماما كعمليات التفكير ذاتها. فنحن بإمكاننا أن نواصل التحسن والتقدم فيها مدى الحياة دون الوصول إلى نهاية. والمران عامل من عوامل التحسن، كل ما زادت فاعليتها تحقق الإتقان.
والقراءة هي المهارة التي يحتاجها المرء دائما في كل مرحلة من مراحل حياته، وهي أداة وليست هدفا، والقراءة أداة التعلم والبحث والنمو المعرفي، وهي طريق المعرفة. وهذا يعني أنه قبل القراءة يحدد الهدف منها: أتقرأ لتتعلم مفهوما أو مفاهيم معينة؟، أم حقائق محددة؟ أم تبحث عن تفاصيل في مادة قرائية أخرى؟ أم تقرأ لتوسيع المعلومات حول فكرة ما أو موضوع محدد؟ أللتسلية تقرأ أم تبحث عن ماده قرائية مناسبة لمقرر معين أو موضوع معين؟ أتقرأ الكتاب أو الفصل لتتمكن من تحديد مدى ملاءمته لأهدافك؟ أم أنك تقرأ لإيجاد الأدلة والبراهين التي تثبت فرضيات أو أفكارا معينة أو تدحضها؟
إن فجوة القراءة التي نعاني منها فرع من فجوة أشمل هي تلك "الفجوة الرقمية" التي تفصل معلوماتيا ومعرفيا بين عالمنا العربي والعالم المتقدم، إن ضمور مهارة القراءة يمتد ليشمل مهارات التواصل الأخرى: فمعضمنا يشكو من ضمور حاد في هذه المهارات يشهد على ذلك عقم حوارنا، وضعف سجالنا مع الآخرين عبر الإنترنت. وتحديدا نحن في حاجة إلى أن نستعيد حب الجميع للقراءة حتى تنمو الرغبة في الإصغاء إلى الآخر تجنبا للتصلب الفكري ومن ثم الجمود الاجتماعي الذي يزيد من عجزنا عن تلبية مطالب عصر يفرض سرعة التغيير والتكيف، علينا أن نعلم القارئ لماذا وماذا وكيف يقرأ؟، وأن نرشد الباحث والمهني كيف يزيدان من إنتاجية القراءة وفاعليتها، إن معظم ما نتعلمه من معلومات يأتي عن طريق القراءة سواء أكانت من مادة مطبوعة أم إلكترونية: لذا فإن النجاح في الحياة العلمية والعملية والثقافية والروحية وغير ذلك من جوانب الحياة يتوقف إلى حد كبير على القراءة الفاهمة الواعية.
About the Author