الإرشاد النفسي ومشكلات الصحة النفسية أصبحت معضلة في كل أنحاء العالم، وأصبحت الآن هي سببا للكثير من المشكلات الأخرى؛ حيث تمثل مشاكل الصحة النفسية 5 من أصل 10 أسباب للمشكلات الرئيسية الأكثر خطورة في العالم، وتؤثر على ما يقارب 500 مليون شخص يتأثرون بمشكلات الصحة النفسية، هي إحصائيات صادمة ولكنها صادرة عن منظمة الصحة العالمية. وتعد مشكلات الصحة النفسية هي أكثر خطورة من المشكلات الجسمية؛ لأن الكثير من المشكلات الجسمية هي سببها نفسي، والكثير من مشكلات العالم هي سببها نفسي، فهل نحن بحاجة إلى الإرشاد النفسي؟ وأين يقع الإرشاد النفسي في العالم المعاصر؟
يناقش الأستاذ الدكتور باسم الدحادحه -من جامعة مؤتة- هذا الجانب من منظوره في ورقته بعنوان (الإرشاد النفسي والعالم المعاصر) في المؤتمر الدولي الثالث للإرشاد النفسي (26-28 سبتمبر 2022) بجامعة السلطان قابوس، متطرقًا إلى أهم المشاكل النفسية انتشارا بين الناس:
15 قضية عالمية
يقول الدحادحه :جميعنا يحتاج إلى الإرشاد في وقت من الأوقات، فعندما تسير الأمور على ما يرام فإننا ننزع نحو نسيان ما حصل لنا عندما كنا في مأزق، وعندما لا تسير الأمور بشكل مناسب وملائم فإننا نميل نحو التركيز على تفاصيل الأعراض النفسية ومكوناتها والضغوطات التي نواجهها، ويمكن لهذه المعاناة أن تحد وتغلق الطريق ويتعذر الرجوع إلى الوراء، والوعي بمشاعرنا والتصالح مع أنفسنا، وربما يساهم الإرشاد النفسي بتزويد الأشخاص بخيارات لمساعدتهم في مواجهة تلك الصعوبات بوقتها. فمن الخطأ الاعتقاد بأن الإرشاد النفسي سيخلص الناس من مشاكلهم للأبد، ولكنه سيمكنهم من مساعدة أنفسهم ويحررهم من الضغوطات والمعوقات التي ستسمح لهم بالعيش مطمئنين ومرتاحين، إلا أن ضغوطات الحياة ومنغصاتها ستبقى مستمرة ما دامت الخليقة.
ويضيف الدحادحه : تمثل مشاكل الصحة النفسية 5 من أصل الأسباب العشرة الرئيسية لـلمشكلات الأكثر خطورة في العالم وتؤثر على ما يصل إلى 500 مليون شخصا. إن التأثير والعبء المباشر وغير المباشر لمشاكل الصحة النفسية كبير، لأن الموارد المكرسة لرعاية الصحة النفسية محدودة جدا، وهناك العديد من الحواجز التي تحول دون الحصول عليها. تساهم الحروب والفقر والاوبئة والهجرة في تفاقم المشكلة، نظرًا لأن عالمنا أصبح مرتبطًا بشكل متزايد اقتصاديًا وسياسيًا وتكنولوجيًا وثقافيًا.
وفيما يلي أهم 15 قضية عالمية يجب أن نتصدى لها: الفقر، وتغير المناخ، والامن الغذائي، وحقوق اللاجئين، ووباء كورونا، والتحضير للأوبئة المستقبلية وأساليب التعامل معها، والصحة الجسمية، والصحة النفسية، وحقوق المعاقين، والعدالة الإنتاجية، وحقوق الأطفال، والمساواة بين الجنسين، وحرية الإعلام، وأزمات الديون العالمية، والفساد. إن هناك زيادة مقلقة في حدوث الأمراض النفسية في جميع أنحاء العالم. إذ جاءت مشكلة الصحة النفسية بالمرتبة الثامنة، وإن كل بلد يكافح لمعالجة القضية من الناحية المهنية وتسهيل الموارد المتاحة والعبء الاقتصادي. إن هناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات لتقليل عبء اضطرابات الصحة النفسية في جميع أنحاء العالم وخصوصا في البلدان النامية، وتعزيز القدرة على مواجهة التحدي المتزايد.
التكاليف الاقتصادية والاجتماعية للأمراض النفسية
احصاءات وأرقام لمنظمة الصحة العالمية يسلط عليها الضوء فيذكر : تشير الإحصاءات وفقا لمنظمة الصحة العالمية إلى أن واحدا من كل أربعة أشخاص يصابون بواحد أو أكثر من الاضطرابات النفسية في مرحلة ما من حياتهم. وعالميا، هناك ما يقرب من 121 مليون شخص يعانون من الاكتئاب، و 70 مليون مع المشاكل المتعلقة بالكحول، و 24 مليونًا مع الفصام، و37 مليونًا يعانون من أمراض نفسية مختلفة. وتمثل مشاكل الصحة النفسية 5 من 10 أسباب رئيسية للمشكلات في جميع أنحاء العالم، وتصل إلى ما يقرب من ثلث المشكلات في العالم، ومن المتوقع أن يزداد العبء العالمي لأمراض الصحة النفسية في المستقبل.
من جهة أخرى يتوقع أن يصبح الاكتئاب ثاني أهم سبب من الأسباب الحقيقية لمشكلات العالم. إذ يعاني ما يقرب من 450 إلى 500 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من شكل ما من الأمراض النفسية، وبالمقابل ما يقرب من نصف دول العالم ليس لديها اهتمام بالصحة النفسية وما يقرب من ثلثهم ليس لديهم برنامج لمواجهة تلك الاضطرابات. ولقد حان الوقت لكي تقوم الحكومات بالتفكير بالصحة النفسية كأولوية وتخصيص الموارد وتطوير السياسات لتنفيذ الإصلاحات اللازمة لمعالجة هذه المشكلة الملحة. وتمثل الأمراض المتعلقة بالصحة النفسية 6 من أهم 20 سببًا رئيسيًا للفئة العمرية من 15 إلى 44. وأهم هذه الاضطرابات: الاكتئاب أحادي القطب، والكحول، والانتحار، والفصام، والذعر، وتعاطي المخدرات، والصداع النصفي.
وإن هناك علاقة متبادلة بين انتشار الاكتئاب وغيره من الأمراض غير المعدية، ومعدل انتشار الاكتئاب أعلى بكثير لدى المرضى الذين يعانون من الأمراض الجسدية لدى عامة الناس. ولقد ساهمت الاضطرابات العصبية والنفسية بنسبة 28٪ من الأمراض غير السارية منذ العام 2005. ولأن الأمراض الجسمية تؤدي لأمراض نفسية وتستمر لسنوات عديدة، فهي تلحق خسائر فادحة بالجوانب العاطفية والاجتماعية والاقتصادية وقدرة المريض والأقارب الذين يعتنون به، خاصة أن الأنظمة الصحية غير قادرة على تقديم العلاج والدعم في مرحلة مبكرة. وفيما يلي بعض التكاليف الاقتصادية والاجتماعية للأمراض النفسية على مختلف جوانب الحياة:
• فقدان الإنتاج من الوفيات المبكرة الناجمة عن الانتحار
• فقدان الإنتاج من الأشخاص المصابين بمرض عقلي لأنهم غير قادرين على العمل على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل
• فقدان الإنتاجية بسبب رعاية أفراد الأسرة للمريض عقليًّا.
• انخفاض الإنتاجية من إصابة الأشخاص بالمرض أثناء العمل.
• تكلفة الحوادث من قبل الأشخاص المضطربين نفسيًا بشكل خاص في المهن الخطيرة مثل سائقي القطارات وطياري الخطوط الجوية وعمال المصانع.
• دعم المعالين للمريض عقليا.
• التكاليف المالية المباشرة وغير المباشرة للأسر التي ترعى المرضى النفسيين.
• البطالة والاغتراب والجريمة لدى الشباب الذين عاشوا بمشكلات نفسية مثل الاكتئاب واضطراب السلوك
• ضعف النمو المعرفي لدى أطفال الوالدين المصابين بأمراض نفسية.
• العبء العاطفي وتدهور نوعية الحياة بالنسبة لأفراد الأسرة.
أبرز المشكلات النفسية
كما صنف الدحادحه في ورقتة أبرز المشكلات النفسية انتشارا بين عامة الناس ومنها طلبة المدارس :
1- القلق العام: ويُشخص من خلال الاهتمام المبالغ به للأشياء التي تقع خارج سيطرة الفرد. وتظهر أعراضه من خلال الصداع، الإنهاك والاضطرابات المعوية والانزعاج وغيرها.
2- اضطراب الاكتئاب: وهو اضطراب في المزاج بحيث يشعر الشخص بالحزن الشديد والانسحاب. ومن أعراضه: تقدير الذات المتدني، وضعف التركيز، وفقدان الشهية، واضطرابات النوم، وفقدان الأمل، والأفكار الانتحارية.
3- اضطرابات المخاوف المرضية: يشخص هذا الاضطراب من خلال استجابات القلق أو التجنب لبعض المواقف المحددة مثل الأماكن العالية أو العناكب أو الأماكن المفتوحة. ومن أعراضه: الخوف المستمر والحساسية الجسدية عندما يقترب من هذه المثيرات.
4- الاضطرابات السلوكية: ويشخص من خلال الأنماط المتكررة لتجاهل القوانين، والإساءة لحقوق الآخرين، والتصرف بعدوانية، ودفاعية، وعدم التعاون مع الآخرين. ومن أعراضه: الشجار، والتخريب، والقسوة مع الآخرين، والسلوكيات العدوانية، والمجادلات، وإزعاج الآخرين.
5- اضطراب نقص الانتباه والحركة الزائدة: ويُعرف هذه الاضطرابات من خلال تشتت انتباه الطالب والحركة الزائدة. ومن أعراضه: عدم القدرة على الجلوس وصعوبات إكمال المهارات، وعدم القدرة على اتباع التعليمات.
6- اضطرابات الأكل: وتشخص من خلال وجود أفكار وسواسية عن الطعام مثل: إيباء الطعام، أو فقدان الشهية، أو أكل القاذورات، وعادات الطعام السيئة، وفقدان الوزن.
7- الاضطرابات الذهانية: وتشمل أعراض الهلاوس، والأوهام، ومن أعراضها: الانسحاب، والعزلة الاجتماعية، وعدم ترابط الكلام، والأفكار الوهمية، والاستجابات الانفعالية غير المناسبة.
8- سوء استخدام المواد: ويعود هذا الاضطراب إلى الإدمان أو التعود عل استخدام العقاقير أو الكحول أو المواد الأخرى، ويعرف من خلال الإشارات التي تشمل البطء في الحديث، والاحمرار حول الفم والأنف، واحمرار العينين والانزعاج.
9- آثار الإساءة الجنسية: ويشير إلى الاستجابات الجنسية غير المناسبة مع الأطفال كاللمس والكلام أو التعري ومن أعراضه: خوف الأطفال من الكبار، والانسحاب، والكوابيس الليلية المتكررة، والتردد، والسلوك الحذر.
10- أثر الإساءة الجسمية: وتشخص من خلال الإصابات التي تحدث بسب الحروق، والعض، والسلوكيات العدوانية، والتذمر، والبحث عن الانتباه.
11- اضطراب الوسواس القهري: ويشخص من خلال الأفكار السواسية أو السلوكيات المتكررة التي تحد من قدرة الشخص في السيطرة على نفسه، ومن أعراضه: ملاحظة قيامه بسلوكيات نمطية متكررة، أو تكراره لأفكار متكررة، وغيرها من المشكلات النفسية .