قالت الدكتورة أسماء بنت إبراهيم البلوشية _استشارية أمراض معدية والتهابات بوحدة الأمراض المعدية والالتهابات بقسم الباطنية في مستشفى جامعة السلطان قابوس_: أن سلطنة عمان حالياً في حالة تأهب وتحضير تحسباً لقدوم أي حالة لمرض جدري القردة من الخارج كما هو الحال مع معظم الدول. وذلك عن طريق تحضير وتهيئة المصادر البشرية والمخبرية لتقصي الحالات وتشخيصها مبكراً لاحتوائها ومنعها من الانتشار، ونحن على اطلاع بمستجدات المرض على مستوى العالم. مشيرة إلى عدم وجود حالات مسجلة في البلاد حالياً لمصابين بالفيروس. لكن الخطورة موجودة خاصة مع تخفيف القيود واحترازات السفر المتعلقة بكوڤيد-١٩ في معظم دول العالم.
وأضافت الدكتورة أسماء البلوشية أنه تم تحديد تعريف معين للمرض من حيث الأعراض التي قد تظهر على المريض كالحمى (أكثر من ٣٨,٥ درجة سيليزية) أو ظهور طفح جلدي، قد يكون أحدهما أو كلاهما مصحوب بصداع، وآلام في الجسم، وخمول أو تضخم في العقد اللمفاوية. تصنف الحالة التي تتضمن هذه الأعراض كـ “حالة مشتبه بها”. أما إذا وجد عامل السفر لدولة موبوءة خلال ٢١ يوم من ظهور الأعراض أو الاحتكاك بمصدر حيواني أو بشري مصاب أو مشتبه بإصابته بالمرض عندها تزيد احتمالية إصابة الشخص بالمرض وتصنف كـ “حالة محتملة”. وإذا ما كانت نتيجة فحص البلمرة التي تم أخذها من الطفح الجلدي للمريض إيجابية بمعنى تم الكشف عن وجود مكونات للفيروس أو الحمض النووي للفيروس في عينات المريض عندها يتم تأكيد الإصابة وتصنيف الحالة كـ “حالة مؤكدة”.
التفشي الحالي هو الأوسع انتشارًا
ووضحت الدكتورة أسماء البلوشية أن مرض جدري القردة) Monkeypox) هو التهاب فيروسي حيواني المصدر، بمعنى أنه ينتقل من الحيوانات إلى الإنسان. ظهر المرض في بدايته بين مجموعة من القردة في مختبرات الأبحاث عام ١٩٥٨، لهذا تعزى تسميته إلى جدري القردة. وأول حالة مرضية بين البشر تم تسجيلها عام ١٩٧٠ في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
البلدان الموبوءة هي دول غرب ووسط أفريقيا، وانتشاره في الدول الأخرى مقرون بالسفر للحالات المصابة بالمرض إلى دول أخرى. أو كما حدث حين تفشى المرض في أمريكا عام ٢٠٠٣؛ حيث تم شحن مجموعة من القوارض كالسناجب والجرذان اكتشف فيما بعد إصابة بعضها بنفس الفيروس والتي بدورها نقلت المرض للكلاب في أمريكا ومنها للبشر، وبلغ عدد المصابين حينها ٧٠ مصاباً.
ويعتبر تفشي المرض الحالي والذي بدأ في السادس من شهر مايو في المملكة المتحدة ثم في باقي الدول هو الأكبر والأوسع انتشاراً خارج القارة الأفريقية، حيث تجاوزت الحالات المسجلة حتى الحادي والثلاثين من مايو خمسمائة حالة منتشرة في عدة قارات في العالم خارج أفريقيا، منها أوروبا والأمريكيتين الشمالية والجنوبية، أستراليا وآسيا.
تتحدد خطورته بمصدره
وأشارت الدكتورة أسماء البلوشية إلى أن المرض ينتقل من الحيوانات بالأخص القوارض والقردة المصابة إلى الإنسان. كما ينتقل بين البشر من شخص إلى آخر عن طريق الاحتكاك المباشر مع المرضى خاصة عند ملامسة الحبوب والبثور أو عن طريق سوائل الجسم وإفرازاته، أو الرذاذ في حالة العطس أو الكحة، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس. كما يمكن انتقال المرض من الأم للجنين أو عن طريق الممارسات الجنسية كما هو الحال في الدول الغربية في الوقت الحالي إذ أسهمت هذه الممارسات إلى انتشاره بين فئات معينة.
وعن أعراضه تقول الدكتورة أسماء البلوشية: قد تكون الأعراض عامة، كالتي تظهر مع الالتهابات الفيروسية الأخرى، كالحمى أو الصداع مصحوبة بآلام في الجسم والعضلات مع إجهاد شديد وخمول.
ومن العلامات البارزة لهذا المرض ظهور طفح جلدي يتمثل في ظهور حبوب وبثور تنتشر في الجسم بداية من الوجه والرأس ثم إلى الأطراف (اليدين والرجلين) ثم إلى باقي الجسم. هذه البثور تسبب آلام شديدة، قد تكون جافة أو مملوءة بالسوائل أو القيح، تتقشر تدريجيا تاركة آثار وندوب في الجلد.
ويصاحب هذا المرض تضخم في العقد اللمفاوية، ما يميزه عن غيره من الالتهابات الفيروسية التي يصاحبها ظهور بثور كالجدري Smallpox)) وجدري الماء Chickenpox).).
وأوضحت أن العامل الأساسي الذي يحدد خطورة هذا المرض هو المصدر. بمعنى السلالات من وسط أفريقيا أكثر خطورة من تلك التي من غرب أفريقيا، حيث يبلغ معدل وفيات السلالة القادمة من وسط أفريقيا ما يقارب ١٠٪ في حين تلك القادمة من غرب أفريقيا يبلغ معدل وفياتها ٣٪ تقريباً.
وهناك أيضاً عوامل أخرى، فغير المحصنين ضد فيروس الجدري والذي تم القضاء عليه عالميًا عام ١٩٨٠، والحوامل والأطفال خصوصاً الرضع والمرضى الذين يعانون من نقص في المناعة بسبب أمراض معينة أو يتناولون أدوية مثبطة للمناعة هم أكثر عرضة للإصابة بالمرض أو مضاعفاته كالتهاب الدماغ والرئتين أو العينين وبالتالي قصور في وظائف هذه الأعضاء.
كورونا وجدري القردة
وحول مظاهر الاختلاف بين جدري القردة وكورونا توضح الدكتورة أسماء البلوشية أن الاختلاف الأساسي يكمن في تركيبة الفيروس الجينية، ففيروس كورونا عبارة عن فيروس مركب من الحمض النووي RNA ما يجعله قابلا للتحور بسهولة، كما لاحظنا خلال العامين المنصرمين، إذ كانت هناك تحورات مختلفة لفيروس كورونا نتجت عنه سلالات مختلفة وموجات مختلفة من المرض.
بينما فيروس جدري القردة مركب من الحمض النووي DNA ما يجعله نسيبا مستقر لا يتحور بسهولة. إلا أن ذلك مقترن أيضاً بانتشاره بين البشر. فخطورته قد تكمن في مدى انتشاره٫ إذ من الممكن أن يؤثر ذلك على تركيبته الجينية تنتج عنها تحورات قد تحد من التحكم في الفيروس.
الاختلاف الآخر هو فترة حضانة الفيروس قبل ظهور الأعراض على الشخص المصاب. ففترة الحضانة في كوفيد-١٩ غالبا تكون ٧ أيام قد تمتد لـ ١٤ يوما. في حين فترة الحضانة في جدري القردة تتراوح بين ٥-١٤ يوم قد تمتد إلى ٢١ يوم. كما أن فيروس كورونا قد ينتقل قبل ظهور الأعراض على المرضى في حين لا ينتقل فيروس جدري القردة إلا عند ظهور الأعراض مما يقلل من فرصة انتشاره.
إضافة إلى ذلك٬ فإن فيروس كورونا ينتشر عن طريق الرذاذ المتطاير في الهواء لمسافات أطول تصل لمترين مقارنة بفيروس جدري القردة والذي يتطلب احتكاك مباشر بالمصابين من مسافة أقرب ولمدة أطول.
قد ينتشر مرض جدري القردة على نطاق أوسع مما هو عليه الآن في دول مختلفة حول العالم، إلا أنه من المبكر التنبؤ بأن انتشاره سيكون كانتشار كوڤيد-١٩ وحالياً لا توجد مؤشرات تشير إلى تحوله لوباء متفشي كما هو الحال مع كوفيد-١٩. من المتوقع أن تمنع اللقاحات والأدوية المتوفرة انتشار جدري القردة على نطاق أوسع.
علاجه في الوقت الحالي
وتقول الدكتورة أسماء البلوشية: في السابق كان اللقاح الذي يستخدم للوقاية من الجدري يقي من الإصابة بجدري القردة، وذلك اللقاح لم يعد متوفراً في الوقت الحالي حيث تم القضاء على مرض الجدري “Smallpox” عام ١٩٨٠. إلا أنه قد تم تطوير مجموعة من اللقاحات المعتمدة عالمياً للوقاية من الفيروسات التي تنتمي لنفس العائلة من ضمنها فيروس جدري القردة “”Monkeypox، ويمكن استخدامها قبل أو بعد مخالطة المصابين في دول معينة إذا كان خطر الإصابة كبيراً إن كان متوفراً.
مرض جدري القردة ينحسر ذاتياً في معظم الحالات. وغالباً قد يحتاج المريض إلى مسكنات للحرارة والألم والمحاليل الوريدية لمعالجة الجفاف. بينما في أغلب الأحيان، لا يحتاج المريض لمضادات أو علاجات دوائية ضد الفيروس نفسه. إلا أن هناك مضادات للفيروس تم اعتمادها عالميا للتقليل من مدة الأعراض وخطورة المرض مثل (Cidofovir, Brincidofovir and tecovirimat) .