ترجمة وتحرير/
عبدالعزيز البادي و بشرى اللواتية
في عام 2015، صنفت منظمة الصحة العالمية سرطان القولون والمستقيم وسرطان المعدة في المرتبة الثالثة والرابعة على التوالي كأعلى أسباب الوفاة بسبب السرطان بعد سرطانات الرئة والكبد. وفي سلطنة عمان يأتي سرطان القولون والمستقيم والمعدة على رأس قائمة أكثر أنواع السرطان شيوعا. وقد أظهرت الدراسات الحديثة في عمان أنه يتم تشخيص معظم المرضى في مراحل المرض المتقدمة (المرحلة الثالثة والمرحلة الرابعة) وفي أعمار صغيرة (تحت سن 40 سنة)، بخلاف المعدلات العالمية للتشخيص والتي تكون في المتوسط بعد سن 65 سنة.
دراستين حول المعرفة بالخطر وطرق تشخيصه
قام الباحثان الدكتور محمد بن هلال العزري أستاذ مشارك بكلية الطب والعلوم الصحية، والدكتورة شروق الخاطرية من جامعة السلطان قابوس بالتعاون مع الباحثين: الدكتورة جميلة الكندية، والدكتورة منال الظاهرية، والدكتورة ساثيا مورثي بانشاتشارمان والدكتور عبدالله المنيري من المجلس العماني للاختصاصات الطبية، والباحثة الدكتورة ثريا الحارثية من وزارة الصحة بدراستين حديثتين أجريتا في السلطنة بين 2017-2020. سعت الدراسة الأولى إلى استطلاع ومعرفة مدى وعي المجتمع العماني بعوامل الخطر والأعراض والوقت اللازم للوصول إلى الرعاية الطبية لسرطان المعدة والقولون والمستقيم. ومن ثم قاست الدراسة الثانية معرفتهم بطرق التشخيص وماهي العوامل والحواجز التي تحول دون ذلك. وقد تم نشر الدراستين في مجلة (Asian Pacific Journal of Cancer Prevention) ، ومجلة (Journal of Cancer Education).
أكثر من 800 مشارك
في الدراسة الأولى تم استخدام استبيان قياس التوعية بسرطان الأمعاء والقولون والمستقيم الذي تم تطويره من قِبَل كلية لندن الجامعية وأبحاث السرطان في المملكة المتحدة. أما في الدراسة الثانية فقد تم استخدام استبيان لتقييم مدى الوعي بالحواجز والعوامل التي تؤثر على المواقف والمعتقدات والسلوكيات المتعلقة بفحص سرطان القولون والمستقيم. وفي كلتا الدراستين تم جمع بيانات المشاركين العمانيين البالغين (18 عامًا وأكثر) الذين حضروا في المراكز الصحية وفي مستشفى جامعة السلطان قابوس خلال فترة الدراسة. وقد شارك في الدراستين أكثر من 800 شخص.
الشباب والمتعلمون والمتزوجون هم الأكثر إدراكًا بالعوامل
وأظهرت النتائج نسب متفاوتة في مدى إدراك العامة بعوامل الخطر المسببة لسرطان المعدة والقولون والمستقيم. فكان الإفراط في شرب الكحول من أعلى العوامل إدراكاً بنسبة (73.1%) والتدخين (70.6٪). تليها تناول المنتجات الغنية بالمواد الحافظة (62.4٪)، والسمنة (47.8٪)، وعدوى (Helicobacter pylori ) (42.6٪)، تناول الأطعمة منخفضة الألياف (38.7٪)، عدم ممارسة الرياضة (37.3٪)، تناول طعام غني بالملح (26.8%). وقد كان التشخيص بمرض السكري (24.9%) من أقل عوامل الخطر المعروفة. وكذلك أظهرت النتائج أن المشاركين الشباب واللذين يملكون مستوى تعليمي أعلى والمتزوجون كانوا أكثر إدراكاً لعوامل الخطر مقارنةً بالمشاركين الأكبر سنًا والأقل تعليماً وغير المتزوجين.
الوعي بالأعراض أعلى عند المتعلمين
وقد تبين أيضا أن مستوى الوعي بالعلامات والأعراض المصاحبة لسرطان المعدة والقولون والمستقيم كان الأعلى لأولئك الذين يملكون مستوى تعليمي عالٍ وكان يتراوح بين (33.8-55.1%). فكانت أعراض الشحوب والتعب هي الأعلى بنسبة (55.1٪) يليها وجود الدم في البراز (53.2٪). وكانت أقل الأعراض إدراكاً هي الشعور بالانتفاخ وامتلاء البطن بالغازات (36.8٪) والشبع المبكر(33.8٪). بينما كانت النساء أكثر احتمالية من الرجال في الإبلاغ عن العوائق التي تحول دون طلب المساعدة الطبية مثل (الخوف، الصعوبة في ترتيب النقل، والقلق مما قد يجده الطبيب).
الفحص المبكر يقلل من الوفيات
وفي إطار الفحص المبكر، يوصي فريق العمل المعني بالخدمات الوقائية في الولايات المتحدة بأن يبدأ فحص سرطان القولون والمستقيم عن طريق تنظير القولون بداية من عمر الخمسين حتى سن 75 عاما ويستمر بشكل روتيني كل 10 سنوات. ويجب إجراء اختبارات الدم الخفي في البراز سنويًا على عينتين من ثلاث عينات متتالية للبراز، يليها تنظير القولون في حالة النتائج الإيجابية. وقد أظهرت الدراسات أن تنظير القولون كل خمس سنوات بالإضافة إلى اختبار الدم الخفي في البراز سنويًا يمكن أن يقلل كثيرا في أعداد الوفيات الناتجة عن سرطان القولون والمستقيم.
الذكور أكثر وعيًا بتشخيص سرطان القولون والمستقيم
كما أظهرت النتائج أن غالبية المشاركين (76.3%) لم يسمعوا عن فحص سرطان القولون والمستقيم و (92.9٪) منهم لم يكونوا على دراية بطرق الفحص المختلفة. الغالبية العظمى من العمانيين والتي شكلت (93.9٪) لم تخضع لفحص سرطان القولون والمستقيم. ومع ذلك أبدى (70.6٪) منهم استعدادهم لعمل الفحص في المستقبل وأظهر (52.7٪) من المشاركين رغبتهم في الخضوع لتنظير القولون إذا نصح الأطباء بذلك.
وكان من أهم أسباب رفض القيام بهذه الفحوصات هو الشعور بالحرج بنسبة (73.9٪) لفحص تنظير القولون و (46.1٪) لاختبار الدم الخفي في البراز، ثم يليها عدم وجود أي أعراض (65.1٪)، فعدم معرفة كيفية إجراء الاختبار (55.8٪)، والخوف من أن يظهر التشخيص بأنه مصاب (55.6٪) والشعور بأنه لن يكون لديهم الوقت الكافي (27.4٪)، وكان ما نسبته (22.7٪) لا يشعرون بالارتياح لفكرة أن يتم لمسهم من قبل الأطباء أثناء الفحص. وأيضاً كان حوالي (21.5٪) من المشاركين يفضلون إجراء الفحوصات خارج البلاد. وقد أظهر الذكور وعيًا أكبر بتشخيص سرطان القولون والمستقيم مقارنةً بالإناث (64.9٪ مقابل 35.1٪)؛ وكان المشاركون الأصغر سنًا (أقل من 40 عامًا) أكثر وعياً بشكل ملحوظ مقارنة بنظرائهم الأكبر سنًا (75.3٪ مقابل 24.7٪).
ضرورة وضع برامج تشخيص لسرطان القولون والمستقيم
ويظهر لنا أن هناك حاجة ملحة لزيادة وعي المجتمع العماني بسرطان المعدة والقولون والمستقيم وطرق فحصها -ولا سيما مع ظهور دليل على زيادة في عدد الحالات المسجلة- عن طريق برنامج تعليمي وطني يتم تنفيذه عبر وسائل الإعلام التقليدية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وتوزيع المنشورات في مختلف المستشفيات والمراكز الصحية في مناطق مختلفة من السلطنة. وكذلك يجب معرفة ومعالجة الحواجز العاطفية – خصوصا عند النساء وكبار السن- التي تحول دون القيام بالفحص والمسارعة في طلب المساعدة الطبية. ومع زيادة الحالات المسجلة لسرطان القولون والمستقيم في السلطنة؛ فإنه لمن الأهمية القصوى البدء بوضع استراتيجيات لإنشاء برامج تشخيص وفحص لهذه الأنواع من السرطان مع الذين يبلغون 40 عامًا فما فوق، ونخص بالذكر الفئات الأكثر عرضة للخطر كالذين لديهم تاريخ عائلي لهذا المرض.