“لا جدوى من دراسات وبحوث مكدسة في المجلات والصحف لكي يقرأها الباحث؛ وإنما نودُّ أن يقرأها المهندس المصمم والبلدية ومتخذ القرار في تصميم المباني في البلد”!
هكذا بدأ الحوار مع البروفيسور عوني شعبان من قسم الهندسة المدنية والمعمارية عن هُوية العمارة العمانية والعمارة في الجامعة وتأثير المناخ والمعمارين المستقبلين ونظرتهم للاستدامة، فإلى تفاصيل الحوار.
كيف أثر المناخ في السلطنة على العمارة؟
بصورة عامة إنَّ عمارة السلطنة من النوع الصحراوي؛ إذ نرى المجمعات السكنية تتسم بالتلاصق، والقرية أو المدينة تتفاعل وكأنها كتلة واحدة أمام المناخ القاسي الحار الجاف، وتعرض الحد الأدنى من سطوحِ المباني للشمس والحرارة والجفاف، وفيها طرقاتٌ ضيقة تتميز بالظل والهواء البارد اللطيف، ونلاحظ أن البناء من الكتل الثقيلة التي تتحمل الحرارة والنوافذ محدودة، ومن ثم، فالتفاعل واضح؛ فحالة المناخ أثَّرت بصورة عامة على هيكلة العمارة بأشكالها المتميزة. بينما إذا نظرنا إلى العمارة الحديثة في عمان لم نرها تعبأ بمتطلبات المناخ؛ لأنها عمارة لم تتفاعل بصورة صحيحة مع المناخ لعدة أسباب أولها: التكنولوجيا الحديثة، حيث وفرت أجهزة تكييفٍ فأصبحَ من السهولة تصميم بيوتٍ بمساحات كبيرة وتصميمُ نوافذ زجاجيةٍ كبيرة، فالتكييف يلبي الغرضَ لحلّ المشكلات، والمصمم يصنع المشكلة ثم يجد الحل لها.
ثانيا: دخلت أساليبُ متعددةٌ في التصميم وهي مستوردةٌ من خلال شركات كثيرة دخلت السلطنة في فترة النهضة الكبيرة من السبعينات وحتى الآن فانفجر البناء فكلٌّ أتى بتجربته من بلاده؛ لذلك نرى تجارب لا تتسق مع البيئة ولا مع بعضها بعضًا، إذًا نحنُ أمامَ موقفٍ طارئ في العمارة الحالية الحديثة. أليس من مسؤوليتنا كباحثين ومصممين أن نبحث عن هوية جديدة للعمارة تتفاعل مع المناخ كما تفاعلت العمارة التراثية؟ ألا يجب أن نبحث عن عمارة حديثة نقول لها عمارة عمانية حديثة.
هل هناك دراسات في هذا المجال؟
نعم يوجدُ دراساتٌ كثيرةٌ في هذا المجال، ففي جامعة السلطان قابوس يوجد فريق كبير، ولي الشرف أن أترأس هذا الفريق الذي عمل لعدة سنوات وأحدُ نتاجاته “البيت الصديق للبيئة في الجامعة”.
ويعد البيت الصديق للبيئة نتاجُ سنين من البحوث والتجربة والتصميم والتنفيذ ثم متابعة نتائج التنفيذ، و نحن الآن في مرحلة إعداد بحوث لقياس وفحص الكثير من القرارات البحثية التصميمية ذات الأسس النظرية ثم تحولت إلى بحوث تطبيقية، وكثير من هذه البحوث نفذت في هذا البيت مثل: مجمع الطاقة الشمسية وأسلوب التهوية الطبيعية، وأسلوب النظام ذو الغلافين والتصميم البيئي ومجموعة من هذه الأشياء، فالآن يوجد نحو عشرين بحثًا بعضها نشر وبعضها مستمر في التنفيذ من قبل أساتذة في قسم الهندسة المدنية والمعمارية وقسم الهندسة الكهربائية والميكانيكية وكلية العلوم الزراعية والبحرية.
ويعد البيت الصديق للبيئة مركزًا بحثيًّا مستدامًا ومستمرًا ونتائجه قصيرة وبعيدة الأمد، وهناك كثير من الجهد المبذول فيه، وإن شاء الله سيُحدث تأثيرا على الفكر التصميمي والتنفيذي للمباني في السلطنة بحيث نأمل نتائج على شكل مبانٍ تتفاعل مع المناخ وتكون ذات هوية معمارية عمانية نرى فيها فعلا عمارة محلية.
ماهي المادة التي تقوم بتدريسها وهل هناك تطبيقات عملية؟
أنا في الأساس مهندس معماري أقوم بتدريس مادة التصميم على عدة مراحل وأدرس مادة العمارة والمناخ وأدرس مادة الاستدامة، ومن المؤكد أن طريقة تدريسي لهذه المواد تتخذ الجانب التطبيقي وليس الجانب النظري البحت؛ لأننا في الهندسة نخرج جيلا من الذين سيصممون ويطبقون ويتخذون القرارات في المجتمع، ويكون لهم دور قيادي في هذا المضمار في البيئة، والمواد التي أدرسها ليست موادَ من كتب منهجية أجنبية لكنها تتركز في كثير من الأمور على نتائج بحوثي ونتائج بحوث الآخرين حيث تركز على عمان ومسقط والبيئة العمانية والمناخ العماني، فالطالب في هذا الحال يكون فعلًا متحمسًا في التعلم لأنه يرى أن هناك علاقة مباشرة وليس مجرد دراسات نظرية ومعادلات وحسابات وطبعا بصفتنا فرع الهندسة المعمارية، فإن هذه الدراسات النظرية حول المناخ تغذي بصورة مستمرة مواد التصميم.
فالطالب يصمم المباني وعنده أساس علمي مسبق قبل التصميم حول المناخ والاستدامة، وتوجد البيانات والقواعد والبرامج الحاسوبية التي تتصف بعلاقة مباشرة مع عمان وأنا أعد هذا الدمج نجاحًا كبيرا.
بالنسبة للجامعة مبانيها ومرافقها هل تأثرت من تأثير المناخ في تصميمها المعماري؟
إن الجامعة تتميز بتصميم معماري متميز فهناك التصميم الأساس والذي هو كل الجامعة كمجمع وعلاقة المباني مع بعضها والطرقات والفضاءات، وهناك تصميم لكل مبنى منفرد.
إن الشركة التي صممت الجامعة شركةٌ أجنبيةٌ، ولكن يتبين لي أنه قد اعتمدت على دراسات كثيرة حول المناخ في هذه المنطقة؛ ولذلك أنا أتخذ الكثير من هذه المباني والفضاءات من بين مباني المواد الدراسية التي أدرسها للطلبة، فالطلبةُ يخرجون إلى الميدان ويقيسون البيئة المناخية وتأثر المباني بها.
وأضاف: هذه الجامعة هي مختبر جيد لبيان كيفية تفاعل المباني مع المناخ، إذ نرى مثلا توجيه المباني في الشمال والجنوب والشرق والغرب يتسق مع حركة الشمس وتوازي وقرب المباني مع بعضها أيضا يرينا كيف فكر المصمم بحركة الهواء والأشجار التي استعملت.
ولكن الإضافات الجديدة للجامعة لم تلتزم بالتصميم الأساس، فهناك بعض المباني مثل المجمعات الجديدة تختلف عن التصميم الأساس، ويتبين لي نوع من الضعف في تعاملها مع البيئة المناخية ولكن بالإجمال مباني الجامعة والمجمع هي نموذج متميز في تعامل التصميم الأساس والمباني مع البيئة المناخية، وأرجو أن تستمر الاستفادة منه كدراسة ميدانية وكتجربة متميزة.