X638311283768843821

 



Banner-02

الشباب والعمل المناخي: دور محوري في مواجهة تحديات المستقبل

15 Jun, 2025 |
  • خليفة بن سليمان الزيدي، باحث مشارك بمركز الدراسات والبحوث البيئية

إن الارتفاع الكبير في مستويات الكربون في الغلاف الجوي خلال القرن الحادي والعشرين يمكن أن يعزى إلى مجموعة من العوامل مثل النمو السكاني والأنشطة الصناعية وإزالة الأشجار. كما أن الأنشطة البشرية تعتمد على أشكال مختلفة من الطاقة، مثل الفحم والنفط والغاز، وينتج عن ذلك الكثير من الانبعاثات الضارة، وفي مقدمتها غازات ثاني أكسيد الكربون والميثان وثاني أكسيد النيتروجين والمعروفة باسم غازات الدفيئة. لقد أدى ارتفاع تركيز هذه الغازات في الغلاف الجوي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، وهي قضية نوقشت على نطاق واسع، وتم التأكيد على آثارها الضارة على الإنسان ومجمل الحياة على كوكب الأرض.
إن ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن زيادة الغازات الدفيئة، أدى إلى تغير المناخ، الذي أدى بدوره إلى عواقب وخيمة مثل ارتفاع مستويات سطح البحر، والأحداث الجوية المتطرفة كالأمطار الغزيرة والفيضانات، وانتشار الحرائق وفقدان التنوع البيولوجي. ولقد أكدت التقارير العالمية الصادرة عن المنظمات المعنية بالبيئة والمناخ، على أن استمرار انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بالمعدل الحالي نفسه، سيضر بالصحة ويؤدي إلى عواقب مناخية وصحية واقتصادية، مما يجعل من الصعب على الأجيال القادمة أن تزدهر، وبالتالي، يصبح من مسؤولية الجميع على هذا الكوكب تقييم وتقليل انبعاثات الكربون من أجل مستقبل آمن ومستدام لكوكبنا الأرضي.
ومن العوامل الأساسية لتحقيق استراتيجيات خفض انبعاث الكربون هي معرفة الأفراد وإدراكهم لضرورة المحافظة على البيئة، وخاصة تغير المناخ. وبالتالي، فإن إدراك الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات للتخفيف من تغير المناخ وفهم وعي وتصرفات السكان الأصغر سنًا، أمر بالغ الأهمية. ومن خلال استكشاف مواقف الشباب ومعرفتهم وسلوكياتهم المتعلقة بتقليص الانبعاثات الكربونية، يمكننا تكوين رؤى حول دورهم في تشكيل مستقبل الأرض البيئي، واستدامة الموارد. كما أن تمكين الشباب واشراكهم في الخطط والبرامج المتعلقة بالاستدامة سيعزز من إيجاد جيل مجهز بالمعرفة وأدوات التكيف والتخفيف من التغيرات المناخية، ويخلق عالما أكثر اخضرارًا ووعيًا بالبيئة.
إن المخاوف من ارتفاع وتيرة التغير المناخي وعواقبه يمكن أن يؤثر على عملية صنع القرار في الأسرة، مما يدفع إلى تبني ممارسات أكثر ملاءمة للبيئة والمناخ. وهذا بدوره يساهم في التقدم نحو بناء مجتمع منخفض الكربون. إن الأسرة التي تعطي الأولوية لتقليص بصمتها الكربونية وتغير سلوكها نحو نشاطات بيئية آمنة، إلى جانب الحوافز الإضافية مثل المكاسب الاجتماعية أو الفوائد الصحية، تلعب دورًا مهمًا في هذا التحول منخفض الكربون. ومن الجدير بالذكر أن الوعي البيئي وتغيير السلوك مترابطان بشكل وثيق خصوصا فيما يتعلق بالممارسات البيئية الايجابية.
وحسب مؤشرات الأمم المتحدة، يضم العالم حاليا ما يقارب من 1.8 مليار شاب تتراوح أعمارهم بين 10 و24 عامًا (UN, 2024) وهو أكبر جيل من الشباب في التاريخ. ومن المهم أن يدرك الشباب التحديات والمخاطر التي تفرضها أزمة المناخ، وضرورة التكامل مع بقية أفراد المجتمع لتحقيق أهداف وبرامج استراتيجيات التكيف والتخفيف من آثار التغير المناخي. كما أنه بات من المهم أن تدرك الأجيال الحديثة أهمية تطبيق أهداف التنمية المستدامة التي بلا شك ستجلب معها الكثير من الابتكارات للتخفيف من أزمة المناخ. ومع المستقبل الضبابي لمسار أزمة المناخ، ستكون الأجيال القادمة أكثر عرضة لآثار التغير المناخي. وبالتالي، أصبح على الشباب مهمة كبيرة في العمل المناخي، فهم وكلاء للتغيير البيئي الآمن، ومؤثرون ومبتكرون للتخلص من الانبعاثات الضارة. ومن خلال زيادة الوعي حول تداعيات أزمة المناخ، والتركيز عليها في التعليم، وتسخير العلوم والتكنولوجيا والابتكار للتقليل من الانبعاثات الضارة، وجب على الشباب تكثيف جهودهم واستخدام مهاراتهم لتسريع العمل المناخي.

لماذا إشراك الشباب؟

يتمتع الشباب بوضع فريد للمساهمة في الرفاه الاجتماعي، إذ أن طاقتهم وإبداعهم وشغفهم تشكل قوة للعمل، ومن المرجح أيضًا أن ينظر الشباب إلى تغير المناخ باعتباره قضية ملحة للحماية الاجتماعية من المخاطر المتعددة. ومن مصلحة المجتمع على المدى الطويل إشراك الشباب بشكل هادف في القضايا المهمة اليوم أيضًا، لأن ذلك يعدّهم بشكل أفضل لمواجهة التحديات في المستقبل.
إن الشباب هم أداة مهمة لبناء مستقبل مستدام، باستخدام التكنولوجيا المتطورة والنماذج الاقتصادية المختلفة كالاقتصاد الأخضر والاقتصاد الدائري والاستثمار المسؤول. يدرك الشباب أيضا أن تغير المناخ ليس أزمة بيئية فحسب، بل قضية عدالة اجتماعية يجب العمل من أجل كسبها. ومن خلال إعطاء الأولوية للعدالة المناخية والتعليم الشامل والتعاون المجتمعي، فإن الشباب يشكلون حراك مهم لمعالجة الفجوات المعرفية فيما يتعلق بحفظ البيئة، وتوعية الأجيال القادمة بأهمية العمل المناخي.
أيضا الاعتبارات الاجتماعية والدينية مهمة لتحفيز الشباب لأداء الأدوار المنوطة بهم، إذ يشكل الشباب الأساس الذي تقوم عليه قوة الأمة وحضارتها. فعلى المستوى الديني، حث الدين الإسلامي على العمل من أجل المصلحة العامة، وعلى المستوى الاجتماعي، فإن الكثير من المجتمعات والمؤسسات المعنية برعاية الشباب تظهر اهتماما خاصا بالشباب باعتبارهم الركيزة الأساسية في بناء المجتمع وتطوره. إن مرحلة الشباب هي مرحلة القوة والطموح، إذ يمكن تشكيلها وتوجيهها نحو الخير، وهنا يظهر دور الأسرة والمربين في توجيه الشباب وتنمية قدراتهم من خلال التربية والرعاية المستمرة.
ويجب التأكيد على مساهمة الشباب بشكل فعال في مكافحة تغير المناخ من خلال الابتكار والممارسات المستدامة والتوعية والمشاركة المجتمعية. وبلا شك، فإن الأعمال والمبادرات التي يقودها الشباب ستدفع بالحلول الحقيقية لمستقبل مستدام، وتظهر دورهم المؤثر في معالجة التحديات العالمية. وفي سعي العالم إلى مستقبل مستدام ومعركته ضد كارثة المناخ المتفاقمة، بات من الضروري تسخير قوة الشباب لتعزيز العمل المناخي وحماية البيئة، ومن ثم وجب تمكين الشباب من العمل من أجل الأرض، ومساعدتهم في إطلاق المبادرات من أجل مستقبل مستدام.

About the Author