X638311283768843821

 



Banner-02

المثقف العربي بين تأثير الثقافة الغربية وتراجع الدور المحلي

30 May, 2025 |

 تحليل سوسيولوجي مع إضاءات على السياق العُماني

unnamed

  •  د. جهاد بن جميل حمد، الأستاذ المشارك في قسم علم الإجتماع والعمل الاجتماعي.

 

المقدمة
يحتل المثقف العربي موقع القلب في تشكيل الوعي الجمعي عبر التاريخ الحديث، لكنه اليوم يعيش أزمة وجودية في مواجهة ثنائيات الماضي/الحاضر، التقليد/الحداثة، والهوية/العولمة. هذه الأزمة - كما توضح في هذه المقالة التحليلية/ السوسيولوجية - نتاج تحولات بنيوية بدءًا من الاستعمار، مرورًا بصعود الدولة القومية، وصولًا إلى تعقيدات العصر الرقمي.
بينما رأى جرامشي (1971) أن المثقفين "منظري الهيمنة" وصناع الوعي الاجتماعي، يكشف الواقع العربي عن فجوة بين الدور النظري وإمكانية التطبيق في ظل أنظمة سياسية معقدة.

أولاً: إشكالية المثقف الحقيقي وعلاقته بالسلطة السياسية
يُعرَّف المثقف سيسيولوجيا كفاعل ينتج الأفكار وينشرها، لكن الواقع العربي يكشف عن تحول هذه الفئة إلى أداة في يد السلطة السياسية التي عادة تكون على رأس الهرم.
-الاندماج في الآلة الرسمية: وفق بورديو، يصبح "رأس المال الثقافي" وسيلة لتحقيق المكاسب عبر التحالف مع السلطات، مما يفقد المثقف استقلاليته.
- أزمة الجيل الجديد: يشير تقرير مؤسسة راند إلى تمرد الشباب المثقف على التراث، لكن نقده يظل مجردًا دون حلول عملية.
- النموذج التاريخي: مثَّل رواد النهضة (الأفغاني، عبده، الكواكبي) - كما يحلل حوراني (1962) - جسرًا بين التراث والحداثة، مؤسسين لـ"فضاء عمومي" (هابرماس، 1989) عبر التعليم والصحافة.

الحالة العُمانية

اما فيما يتعلق بالحالة العُمانية فإنها تمتاز بتوازن دقيق حيث يتبنى المثقفون خطابًا تجديديًا ضمن أطر الدولة، مع ظهور مبادرات كـ "ملتقى الكتاب العُمانيين". لكن التحدي يكمن في تطوير الخطاب النقدي دون الاصطدام بالثوابت المجتمعية.

ثانيًا: التحولات البنيوية وتهميش الدور
1. عوامل التهميش
- السياسي: تقييد الحريات في دول كمصر وسوريا (العلي، 2018)
- الاقتصادي: صعود ثقافة الاستهلاك على حساب الإنتاج الفكري
- التكنولوجي: تحول الفضاء العمومي إلى منصات رقمية سطحية (الغذامي، 2015)
- الهوياتي: صدام الخطاب التنويري مع التطرف والتعصب الديني.

2. تحديات العولمة
- الاستلاب الثقافي: تحذر نظرية سعيد (1978) من تحول التبعية الثقافية إلى تبعية سياسية
- تفكك الوحدة العربية: تشظي الهوية إلى كيانات فرعية (بشارة، 2017)
- مفارقة الربيع العربي: إقصاء المثقفين لصالح العسكر أو الديني/السياسي (بايات، 2013) .

وفيما يتعلق بخصوصية الحالة العُمانية ، فقد نجحت في تجنب التشظي الهوياتي بفضل النموذج التوافقي، لكنها تواجه تحديات العولمة عبر الاتي:
- مشاريع كـ"دار الأوبرا السلطانية" التي تزاوج بين المحلي والعالمي
- صعود جيل جديد من المدونين يتجاوز المؤسسات التقليدية

ثالثًا: الأبعاد السوسيولوجية للأزمة
1. العوامل الفردية
- عقدة الخوف: إنتاج فرد خاضع عبر التربية الأسرية (حجازي، 2001)
- الاغتراب الثقافي: سيادة النمط الاستهلاكي (باومان، 2000)

2. العوامل المؤسسية
- مناهج التعليم: تعزيز التلقين بدل النقد (اليونسكو، 2015)
- الإعلام الترفيهي: هيمنة البرامج غير الجادة (اتحاد الإذاعات العربية، 2020)

3. العوامل البنائية
- القمع المباشر: تضييق على حرية التعبير (منظمة العفو، 2022)
- استبدال النخب: ترويج مثقفين موالين (بشارة، 2004)

السياق العُماني: يتميز بـ:
- مركزية التعليم في المشروع الوطني (نسبة الإنفاق على التعليم 17% من الموازنة)
- دعم مؤسسي للثقافة عبر "وزارة التراث والسياحة"
الا انه يواجه تحدي تحويل الدعم الرسمي إلى حراك نقدي مستقل.

رابعًا: آفاق الحلول: نحو مثقف عُماني فاعل

1. إعادة بناء جسر الثقة
- الخطاب التبسيطي: ربط الفكر بهموم الناس (بن نبي، 1954)
- قضايا راهنة: التركيز على الباحثين عن العمل (40% بين الشباب العُماني - المركز الوطني للإحصاء 2023)

2. إصلاح المؤسسات
- تعليم نقدي: تطوير مناهج جامعة السلطان قابوس لتشمل تحليل الخطاب
- إعلام ثقافي: دعم منصات كـ "أثير" الإلكترونية

3. تجديد الدور المحلي
- الخصوصية العُمانية: توظيف التراث الإباضي (الواقعي/ التسامحي/السلمي في مواجهة التطرف
- التواصل الإقليمي: إنشاء شبكات عابرة للحدود مع احترام الخصوصية

4. الاستفادة من النموذج العُماني
- توظيف سياسة "الوسطية" لبناء خطاب ثقافي متوازن
- تحويل التجربة العُمانية في التعايش إلى نموذج قابل للتداول العربي

الخاتمة - نحو نهضة ثقافية جديدة
أزمة المثقف العربي ليست قدرًا محتومًا، بل نتاج بنى قابلة للتغيير. حيث ان النموذج العُماني يقدم دروسًا في:
- الموازنة بين الأصالة والحداثة
- تحويل التنوع الثقافي إلى رافعة للوحدة
- دور المؤسسات في دعم الثقافة دون مصادرة الفكر

عليه، يتطلب الخروج من الأزمة الى تبني استراتيجيات مرنة تستثمر المنصات الرقمية، وتعزز البحث العلمي (كما يشير تقرير التنمية البشرية العربية 2016)، وتعيد تعريف المثقف "العضوي" (جرامشي) المرتبط بقضايا المجتمع.

وهنا، يبقى السؤال المركزي؛ هل يستطيع المثقف العُماني والعربي تحويل اغترابه إلى طاقة إبداعية تُعيد توطينه في الفضاء العام؟

"الثورة لا تكتمل إلا بثورة في الوعي" - أدونيس

 

 

المراجع
- جرامشي، أنطونيو. (1971). دفاتر السجن. دار التنوير.
- حوراني، ألبرت. (1962). الفكر العربي في العصر الليبرالي.
- سعيد، إدوارد. (1978). الاستشراق.
- بشارة، عزمي. (2017). في المسألة العربية.
- المركز الوطني للإحصاء العُماني. (2023). تقرير الشباب.
- تقرير اليونسكو. (2015). جودة التعليم العربي.

  • التجربة التعليمية في جامعة السلطان قابوس (التقارير السنوية 20202023
  • استراتيجية وزارة التراث والثقافة 2040 


- Freire, P. (1970). Pedagogy of the Oppressed.
- Bayat, A. (2013). Post-Islamism.

About the Author