عودة الطلبة: نبضٌ يتجدد في الجامعة
- كتب: المُجاهد بن خليفة بن سيف الجهوري
في يوم الأحد، وبعد ثلاثة أسابيع من الغياب، عاد الطلبة إلى مقاعد الدراسة، وعادت طرقات الجامعة تنبض بالحياة من جديد. وكما أن لكل صرحٍ أساس يقوم عليه، فإن أساس هذه الجامعة هم طلبتها، الذين يمنحونها حيويتها، ويكتبون في أروقتها فصولًا جديدة من الطموح والسعي.
أشرقت شمسُ ربيع هذا الفصل الدراسي على أروقة الجامعة، من كلية التربية إلى الحقوق، فاستيقظت من سكونها، وعادت تضجُّ بصخب الخطى وزحام المركبات، وكأنها أرضٌ عطشى تستقبل أولى قطرات الغيث بعد طول جفاف. يشعر الطلبة بالمسؤولية التي يُمليها العلم، وبثقل التحدي الذي يحمله كل فصل جديد، حين يبدؤون في ترتيب دفاترهم، وشحذ أقلامهم، استعدادًا لمقررات مختلفة، وأساتذة جدد، وتحديات لا تعرف التكرار.
الطرقات التي كانت هادئة، تتلون الآن بظلال العابرين، وبأحاديث تتناثر بين الرفاق، حيث يتبادلون الأفكار أثناء السير إلى قاعةٍ مشتركة، أو يتجهون إلى مقهى الجامعة بعد استراحة مُستحقة. الجامعة ليست مجرد مكانٍ يضمهم، بل هي فضاءٌ تتقاطع فيه الأحلام، وتولد فيه الطموحات من رحم التفاصيل الصغيرة، من كتاب يُفتح، أو سؤال يُطرح، أو حتى محادثة عابرة بين درس وآخر.
وفي قلب هذا المشهد، يعلو جرس برج الساعة، صوته المهيب يتردد في الأفق، لا كتنبيهٍ عابر، بل كإعلانٍ عن انطلاق مرحلةٍ جديدة في مسيرة السعي. دقاته المنتظمة لا تحصي الوقت فحسب، بل تنذر بأن كل دقيقة هي خطوة نحو إنجاز، وكل لحظةٍ تُراكم تجربة، وكل ساعة تروي حكاية لا تكتمل إلا بالعزيمة والإصرار.
كل طالبٍ يعبر بوابة الجامعة ليس مجرد رقم في قائمة الحضور، بل هو حاملٌ لرسالة تتجاوز ذاته، رسالةٌ خُطت بالحلم، وسُطّرت بالسعي، وتُصان بالعزيمة. إنها عهدٌ بينه وبين المعرفة، بينه وبين مجتمعه، بينه وبين المستقبل الذي لن يُصنع إلا بعلمه وإرادته. هذه الرسالة لا تُختصر في كتبٍ تُقرأ، ولا في دروسٍ تُلقى، بل تتجلى في الفكر الذي يتوقد، والتجربة التي تصقل الروح، والإصرار الذي لا يعرف التراجع.
ليس الزمن وحده من يُشكّل الطالب، بل هو من يُشكّل الزمن بفكره وإبداعه. في كل خطوةٍ على طريق الجامعة، في كل ليلةٍ تضاء بالمثابرة، في كل فكرةٍ تُناقش بشغف، يولد شيءٌ أعظم من مجرد شهادةٍ تُمنح، يولد الإنسان الذي يعي أن العلم ليس مجرد مرحلة، بل قدرٌ والتزام، ومسؤوليةٌ لا تنتهي بانتهاء الأعوام، بل تمتد ما امتدت الحياة.
About the Author