X638311283768843821

 



  

Banner-02638735669713724437

 

عمان: بوابة الإستثمار والنمو المستدام

28 Nov, 2024 |

 

  • أ.د. أشرف مشرف،رئيس كرسي غرفة تجارة وصناعة عمان للدراسات الاقتصادية

 

 

يشكل الإقتصاد والإستثمار عنصرين أساسيين في تحقيق التنمية المستدامة في سلطنة عمان. فمع سعي البلاد إلى تعزيز مكانتها الإقتصادية، تتبنى السلطنة سياسات إستراتيجية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الإعتماد على النفط، مع التركيز على جذب الإستثمارات المحلية والأجنبية. وتركز رؤية عمان 2040 على تنمية قطاعات متعددة مثل الصناعة، والسياحة، والتعدين، والخدمات اللوجستية، والتكنولوجيا، وتحويل إقتصاد عمان إلى إقتصاد معرفي مستدام قادر على المنافسة في الأسواق العالمية من خلال توفير بيئة إستثمارية محفزة وبنية تحتية متطورة.

من أهم ملامح التطور الإقتصادي هو سعي السلطنة الدؤوب لإحداث تحول هيكلي من خلال تقليل الإعتماد على النفط والغاز وخلق إقتصاد معرفي مستدام قادر على المنافسة في الأسواق العالمية. يأتي هذا التحول في ضوء تحقيق أهداف رؤية عمان 2040 والتي تهدف الي توسيع قاعدة التنويع الإقتصادي وتطوير آليات وبرامج الهياكل الإنتاجية من خلال زيادة الإستثمارات في القطاعات غير النفطية مثل التصنيع، الزراعة، السياحة، واللوجستيات، والتعدين، بالإضافة الي التعليم والبحث العلمي والابتكار. ومن المتوقع أن تصل مساهمة القطاعات غير النفطية الى 32% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام القادم من خلال تطبيق سياسات برنامج "تنفيذ" والخطة الخمسية العاشرة.

ففي خلال العامين الماضيين، نجحت السياسات الإقتصادية والمالية في تسريع تعافي الإقتصاد من تأثيرات جائحة كورونا، وتخفيض الديون الخارجية، وتحسين الوضع المالي، وتحقيق فائض في الموازنة العامة للدولة يمكن توظيفه في مشاريع البنية التحتية، ورفع التصنيف الإئتماني للسلطنة أربع مرات متتالية خلال عام تقريبا ليصبح BB+ مع نظرة مستقبلية مستقرة، مما يُعيد ثقة المستثمرين في الإقتصاد العماني ويجعله أكثر جاذبية للإستثمار.

الجدير بالذكر، أن سلطنة عمان شهدت تحسن ملحوظ في بيئة الإستثمار بعد إنشاء بوابة الشباك الواحد التي تساعد المستثمر على إنهاء كل إجراءاته في مكان واحد، وبرنامج "إستثمر في عمان" الذي يختص بتحديد وترويج الفرص الإستثمارية. بالإضافة إلي إصدار عدة قوانين، مثل قانون الإستثمار الأجنبي وقانون الشركات وقانون الإفلاس وقانون التخصيص، التي ساهمت في زيادة الأنشطة الاقتصادية في السلطنة. قدمت أيضا وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار حزمة كبيرة من الحوافز في مختلف القطاعات لجذب الإستثمارات وتعزيز النمو الإقتصادي. على سبيل المثال، تُمنح حقوق الإمتياز للمستثمرين لمدة طويلة في قطاع التعدين، بينما يتم تحفيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتخصيص مشتريات حكومية وتسهيلات تمويلية. بينما يتم تشجيع القطاع السياحي من خلال توفير حوافز مالية وتسهيلات في القوانين الجمركية. تلك الحوافز تسهم في تعزيز النمو المستدام وتحفيز الإبتكار والإستثمار في السلطنة. أما في المناطق الإقتصادية الحرة، فيتم الإعفاء من الضرائب على الدخل للشركات لمدة 25 عاماً، وتملك أجنبي بنسبة 100٪، ونسبة التعمين مرنة، ولا توجد ضريبة الدخل الشخصي، والإعفاء من رسوم الجمارك على الإستيراد وإعادة التصدير.

يجدر الإشارة هنا أن جامعة السلطان قابوس ممثلة في كرسي غرفة تجارة وصناعة عمان للدراسات الإقتصادية بمركز البحوث الانسانية ساهمت في هذه الإنجازات من خلال إجراء 6 دراسات لتحديد المقومات الإقتصادية والفرص الإستثمارية في محافظات الظاهرة، والبريمي، والوسطي، وشمال الباطنة، حيث تم تقطير 282 فرصة إستثمارية بقيمة رأسمالية قدرها 3.9 مليار دولار أمريكي وخلق ما يزيد عن 15 ألف فرصة عمل جديدة، وجاري حالياً العمل على دراستي تحديد الفرص الإستثمارية في محافظتي ظفار ومسندم.  

أحب أن أؤكد أن تقطير الفرص الإستثمارية يعد خطوة مهمة في هذا المسار، ولكن التحدي الأكبر والأهم هو قدرة الأجهزة التنفيذية بالدولة على تحويل هذه الفرص إلي مشاريع إستثمارية حقيقية على أرض الواقع. كما أنادي بضرورة تفعيل الحكومة الإلكترونية والإستراتيجية الرقمية من أجل تقليل التفاعل بين الموظف والمستثمر وتطوير الجهاز الإداري، خاصة على مستوي الإدارات المحلية والبلديات التي تعد العائق الأكبر أمام تنفيذ المشاريع الإستثمارية من خلال برامج التدريب لتحسين المهارات ورفع القدرات الفنية لدي المسؤولين عن ترويج الاستثمار. 

نظراً للدور الكبير الذي يلعبه الإستثمار الأجنبي المباشر في التنمية الإقتصادية، تسعي السلطنة الي تنظيم المؤتمرات والمنتديات والمعارض لطرح الفرص الإستثمارية المتاحة في القطاع المختلفة. ففي فبراير 2024، أقامت غرفة تجارة وصناعة عمان فرع شمال الباطنة "منتدى صحار للاستثمار" بحضور حوالي 700 مستثمر محلي وأجنبي، وتم عرض 104 فرصة إستثمارية (شاركت جامعة السلطان قابوس بعدد 77 فرصة من إجمالي الفرص) في 8 قطاعات إقتصادية واعدة بإستثمارات قدرها 915 مليون ريال عماني و8270 فرصة عمل جديدة. 

تتميز الإستثمارات الأجنبية المباشرة بقدرتها على توفير رأسمال أجنبي بديل عن رأس المال المحلي الذي يمكن توجيهه الي تطوير البنية التحتية وبرامج التنمية الإجتماعية والبشرية، كما يسهم في نقل التكنولوجيا والمعرفة من خلال الشراكات مع شركات محلية. يساهم الإستثمار الأجنبي المباشر أيضا في خلق فرص عمل مميزة ورفع معدلات الدخل ومستويات المعيشة للمواطنين الذين عادةً ما يحصلون على مرتبات أعلى من التي يحصل عليها زملائهم في الشركات المحلية.  وقد ظهرت أهمية الإستثمار الأجنبي في الشراكات الدولية التي عقدتها السلطنة مع شركاء خليجيين مثل شركة "كروة" لإنتاج الأتوبيسات بإستثمارات قطرية عمانية و"مصاة الدقم" بإستثمارات عمانية كويتية في المنطقة الإقتصادية الخاصة بالدقم.

تشهد هذه النجاحات أيضا على أهمية الإستثمار في البنية التحتية والتوسع في إنشاء وتطوير المناطق الإقتصادية الخاصة. فقد أنشئت سلطنة عمان ثلاث من أحسن الموانئ البحرية عالمياً في صلالة والدقم وصحار، بالإضافة الي مطار مسقط الدولي ومطار صلالة ومطار الدقم ومطار صحار، إلا أن السلطنة بحاجة الي المزيد من الإستثمارات في البنية التحتية والسعي الي تحويل مطارات صلالة والدقم وصحار الي مطارات دولية من أجل ربط السلطنة بالأسواق الإقليمية والدولية. كما تتضح أهمية ودور المناطق الحرة في تعزيز التجارة والإستثمار في محافظة شمال الباطنة التي أصبحت وجهه جاذبة الإستثمارات الأجنبية بإجمالي 27 مليار دولار أمريكي في المنطقة الحرة وميناء صحار.

أن العمل على جذب الإستثمارات الأجنبية المباشرة أصبح ضرورة ملحة، بل تصدر قائمة الأولويات الإقتصادية في الدول المجاورة التي تسعي الي تحقيق معدلات عالية من التنمية الإقتصادية المستدامة. تعتمد قدرة السلطنة على جذب المزيد من هذه الإستثمارات في إمكانية التغلب على التحديات الداخلية المتمثلة في بطء التطور الإداري والمالي وتحسين بيئة الأعمال ومواجهة التحديات الخارجية مثل التغيرات الجيوسياسية والصراعات الإقليمية والدولية. 

 

About the Author