X638311283768843821

 



  

Banner-02638735669713724437

 

من غزة إلى عُمان: حوار مع عايدة إسليم

16 Jul, 2024 |

 

حاورتها/ فدوى الجهورية

 

في ظل حرب الإبادة على غزة، يعاني الكثير من الغزيين في الخارج من الاكتئاب وصعوبة التعامل مع الواقع بعيدًا عن أهاليهم وشعبهم الذي يتعرض لكافة أشكال الموت والتجويع. تتحدث عايدة إسليم الفتاة الغزيّة في عُمان، وخريجة كلية العلوم الزراعية والبحرية بالجامعة، وحاليًا مساعد باحث في نفس الكلية، عن تجربتها ووضعها النفسي، حيث يصبح الاغتراب في زمن الحرب مضاعفًا، وقاسيًا بكل المقاييس.

 

عرفينا بنفسك؟

أنا عايدة عماد إسليم، خريجة علم أغذية بكلية العلوم الزراعية والبحرية، تخرجت من جامعة السلطان قابوس سنة 2022، على أمل العودة إلى دياري الحبيبة غزة التي كبرت وترعرعت فيها، حاملةً شهادتي، وحلمي وأشواقي الكثيرة التي لطالما رافقتني في سنين الغربة، فتارةً كانت جمرًا يحرق فؤادي وتارةً كانت دافعًا قويًا لمزيدٍ من الاجتهاد والمثابرة لمواصلة مسيرتي التعليمية فأتخرج وأصبح خادمة في بلادي العزيزة. حيث استلمت شهادتي بفضل الله وعدت إلى غزة حتى اندلاع الحرب.

 

 أخبرينا عن حياتك في غزة؟

 الحياة في غزة في الحقيقة ليست كما تبدو أو كما يعرفها العالم الخارجي يملأها البؤس، غزة ليست عبارة عن كومة من الركام والدمار كما يعرفها البعض، فعلى الرغم من التحديات الكثيرة التي يواجهها أهالي غزة والضغوطات التي يمارسها الاحتلال الصهيوني للتضييق عليهم في كافة المجالات، إلا أنها مليئة بالحضارة والثقافة والجمال والأمل، وأهل غزة -كما يعرفهم العالم- يدركون تماما قيمة العلم، فتجدهم يتنافسون للحصول على أعلى المراتب لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم في بناء بلدهم.

من ضمن التحديات التي نواجهها في غزة -قبل الحرب- انقطاع الكهرباء بمعدل 16 ساعة يوميا، حيث نبرمج أنفسنا لقضاء احتياجاتنا في الثمان ساعات المتبقية وتكون بشكل متناوب صباحًا ومساء، أي إذا كانت الكهرباء تعمل اليوم من ساعة 6 صباحا إلى  2 ظهرًا، في اليوم التالي تأتي في الساعة 2 ظهرًا إلى 10 مساء، وهكذا، وعلى ذلك يترتب برمجة الكثير من الأعمال والمواعيد.
من ضمن التحديات أيضا قلة الامكانيات في مختبرات الجامعات والمؤسسات التعليمية وغيرها، وذلك بسبب منع الاحتلال الصهيوني من دخول الأجهزة والآلات سواء الطبية أو الهندسية أو غيرها.

 كوني خريجة علم أغذية وجدت أن زملائي يواجهون العديد من الصعوبات في ممارسة مهنتهم، فنضطر في كثير من الأحيان محاكاة التجارب المتعلقة بتحليل الأغذية بطرق بدائية تأخذ الكثير من الوقت والجهد، كما وتزداد فيها نسبة الخطأ.

مع ذلك في غزة يوجد الكثير من الأماكن الطبيعية الجميلة، والمولات والاستراحات والمطاعم والأماكن الأثرية والسياحية، ولكن يبقى المكان الأحب لقلوبنا جميعا في غزة هو البحر المتميز برائحته وصوته وهوائه، ومن مميزات الحياة في غزة أيضا مواصلات النقل فهي سهلة جدا، فبمجرد خروجك إلى الشارع تجد الكثير من السيارات تنقلك بكل سهولة وأمان إلى المكان الذي تريده، والاهم من ذلك كله هو بساطة أهل غزة وقربهم من بعضهم البعض، فإذا احتجت لأي مساعدة تجد الغريب قبل القريب يهب بسرعة، في غزة نحن عائلة واحدة، ويد واحدة.

حياتي هناك لم تكن سهلة أبدًا، الجميع يعمل بجد وينحت على الصخر ليحقق أحلامه، ولكنها كانت جميلة جدا ومليئة بالأمل.

 

 كيف حصلتِ على المنحة الدراسية إلى الجامعة؟ وكيف كان شعورك؟ مغادرة غزة؟ والعودة إليها مرة أخرى؟

حصلت على منحتي الدراسية من خلال السفارة الروسية، أما عن شعور مغادرة غزة بالنسبة لي يشبه كما يُقال "طلوع الروح"، حيث أشعر بهذا الشعور دائمًا بعد مغادرتي لغزة، خصوصًا عندما أخرج في فترة حرب وقصف

بعد أن تخرجت من الجامعة، عُدت لفترة إلى غزة، وكنت عازمة على الاستقرار والعيش في غزة، حيث بدأت بالعمل على أحلامي وتطلعاتي، وكنت أدرس الماجستير وأشتغل في الوقت ذاته. كانت عائلتي تجهز منزلنا الجديد الذي نحلم به منذ سنوات، سكناه ليلة واحدة اقتربنا فيها من الحُلم، نشبت الحرب بعدها، وقُصف المنزل، " راح البيت باللي فيه"، لكني أقول لنفسي سيتعوض المنزل، وسنبني غيرة على الرغم من سنين الانتظار.

عِشتُ في بداية الحرب في شمال القطاع، ومن ثم نزحنا للجنوب، وكانت أيامًا صعبة، وتوجب علي الخروج وكانت أصعب لحظة، لم نترك غزة سوى مرغمين، ولولا إجباري على ذلك لما خرجت.

 

 كيف تتعاملين مع ابتعادك عن غزة وأهلك في الظروف الحالية؟

يمكن القول إنني لا أتعامل مع الأمر، وأعاني من اكتئاب مزمن منذ بدأت الحرب، فمشاهد الإبادة البعيدة أقسى بكثير من العيش بداخلها من وجهة نظري، ويقطع قلبي رؤية شعبي وهو يقتطع أمام مرأى العالم، ومدينتي تُدمر ولا يتحرك ساكن. تعز علي جراح شعبي، ولكن خذلان وصمت العالم يفتح جروحًا أعمق ولن أستطيع على تضميدها.

 

هل وجدتِ دعمًا نفسيًا من الطلبة والاساتذة في ظل الحرب على غزة؟

 شاركت في عدد من الفعاليات والمبادرات الطلابية لأحكي تجربتي، وأساهم في زيادة الوعي حول قضيتي، وما ساعدني بشدة هو عملي في مختبر الجامعة كمساعد باحث مع أستاذ من كليتي السابقة، حيث شكل ذلك دعمًا نفسيا ساعد على تحسين حالتي، مع العلم أن دراستي للماجستير تعطلت بسبب الحرب.

 

 ما هي الرسالة التي ترغبين بإيصالها للطلاب في الجامعة فيما يتعلق بغزة والحرب؟

أحثهم على الاجتهاد في دراستهم لكي نحقق اكتفاء ذاتي كعرب، ونكون أقوياء بأنفسنا وشبابنا، ونكون قادرين على حماية بلداننا ومقدساتنا، وبالتأكيد أؤكد على أهمية المقاطعة، ولا أتحدث هنا مقاطعة المنتجات فقط، بل تحقيق المقاطعة للثقافة التي لا تناسب بيئتنا ومجتمعاتنا، ولو بدأ كل شخص بنفسه واهتم بدراسته، وتفوق في مجاله، سنكون قادرين على تحقيق الاكتفاء الذاتي ونتوقف عن تمويل قتلة أهلنا.

كما أرغب بالقول أن غزة ليست عالمًا موازيًا نراه في مواقع التواصل، نحزن عليها قليلًا ونتفاعل وينتهي دورنا، يجب أن نتحمل مسؤولية تغيير الواقع، ويجب أن لا ننسى ونتجاهل ولا نرتاح في ظل قتل إخواننا، يستحق أهل غزة حق بالحياة  الكريمة مثلهم مثل باقي شعوب العالم.

وأحب تذكيرهم بأن غزة لازالت تباد لأنها وقفت في وجه المعتدي، ولم تخضع ولم ترضخ للظلم والظالمين، وهذا دليل على أننا على حق.

About the Author