X638311283768843821

 



  

Banner-02638735669713724437

 

العارنوت: تحدٍّ سياحي في ظفار وجهود علمية لمواجهته

25 Jun, 2024 |

 

  • أحمد بن خميس السديري، باحث مساعد.
  • مركز الدراسات والبحوث البيئية.

 

يعد العارنوت أو الذباب العاض (الاسم العلمي: Forcipomyia (Lasiohelea) whitcombei) أكثر الحشرات إزعاجاً للسياح في محافظة ظفار بسلطنة عمان، في مناطق العيون المائية خاصةً. فهذا النوع من الذباب العاض ينشط بكثرة خلال موسم الخريف، مسبباً الكثير من الإزعاج بسبب لدغاته المؤلمة التي تترك آثاراً حمراء على الجلد وتسبب الحكة الشديدة. وشاع عند بعضهم أن ما يقوم باللدغ هو البعوض، وعلى عكس ذلك فأن العارنوت ينتمي لعائلة الذباب العاض (Ceratopogonidae) التي تعد أصغر حجماً من البعوض حيث يمكن إيجاده بطول 1 ملمتر.

وتضم عائلة الذباب العاض أكثر من 6200 نوع حول العالم، موزعة على 4 عائلات فرعية و112 جنسًا، وسُجِّل وجود 32 نوعاً من هذه العائلة في سلطنة عمان، تتوزع في عدة أجناس مثل:  Culicoides, Leptoconops, Forcipomyi،  Dasyhelea. إلا أن العارنوت هو الأكثر شيوعاً وإزعاجاً في مناطق الجبال والعيون المائية بمحافظة ظفار، حيث يتركز نشاطه خلال المدة من يوليو إلى سبتمبر، التي تشهد موسماً سياحياً مزدهراً في المنطقة. ويطلق السكان المحليون في ظفار أسماءً مختلفة على أنواع الذباب العاض، فالعارنوت أو الخانيوت يشير إلى النوع Forcipomyia whitcombei، بينما تسمى حشرة Lyperosia minuta محلياً بالجيفت وحشرة Musca crassirostris  بالقصيذت. وهذا التنوع في المسميات يعكس المعرفة المحلية العميقة بهذه الأنواع من الحشرات.

إن الدراسات العلمية على العارنوت تعد شحيحة، حيث أشار العالم بورمان في دراسته عام 1989 إلى الأهمية الطبية للعارنوت، وقد وصف بالتفصيل شكل الأنثى وخصائصها المورفولوجية، وأعطى وصفاً عاماً لدورة حياة هذا النوع في جبال ظفار بناءً على ملاحظات الباحث البيئي روبرت وايتيكومب الذي سميت الحشرة على أسمه. وأكد الدكتور طاهر باعمر وزميله الدكتور ديفا في دراستهما عام 1994 على خصائص الجهاز التناسلي لهذا النوع من الحشرات. وفي عام 2020، أكد الدكتور كومار في دراسته على الآثار الطبية للدغات العارنوت التي تسبب حالة تسمى بـ Popular urticaria المعروف طبياً باسم الشرى الحطاطي وأطلق عليه أسم "طفح صلالة" بظهور بثور وطفح جلدي حاد مصحوب بالحكة الشديدة  في منطقة الأطراف السفلية والعلوية خاصةً. وهو ما يسبب إزعاجًا للسياح  وقد يؤثر على الإقبال السياحي في المنطقة.

وللأسف لا يقتصر ضرر الذباب العاض على الإزعاج وتقليل متعة السياحة فحسب، بل يمتد ليشمل الحيوانات المستأنسة أيضاً، حيث أشار الدكتور الميحي في دراسته عام 2011 إلى أن العارنوت والأنواع الأخر من الذباب العاض في ظفار لا تلدغ الإنسان فقط، وإنما الحيوانات المستأنسة كالأبقار والإبل كذلك، وذكر أن الرعاة يلجؤون إلى حبس حيواناتهم في أماكن مظلمة خلال ساعات النهار لتجنيبها لدغات تلك الحشرات خلال مدة نشاطها.

وعلى الصعيد العالمي، تسبب أنواع الذباب العاض أضراراً جسيمة للسياحة وتربية الماشية، حيث تعمل كناقل للعديد من الأمراض الفيروسية والطفيلية مثل: فيروس أوروبوش، وحمى الكونغو النزفية، وفيروس اللسان الأزرق وغيرها؛ فاللدغات المتكررة من هذه الحشرات تسبب فقر الدم والهزال في الحيوانات، وتنقل الأمراض بين الحيوانات البرية والمستأنسة والإنسان، الأمر الذي يُلقي الضوء على ضرورة تكثيف الجهود البحثية لإيجاد طرق فاعلة للسيطرة على هذه الآفة، ومن بين هذه الجهود، الدراسات المتعمقة لنوع Forcipomyia taiwana في تايوان والصين، التي أعطتها معلومات قيمة حول بيولوجيا هذا النوع، ودورة حياته، وسلوك التغذية، والمواقع التي يتكاثر فيها، وتركيبة مجتمعاته وديناميكيات التعداد على مدار العام، مُستفادًا منها في دراسة الأنواع المحلية في عمان مثل العارنوت.

وأثبتت العديد من الدراسات فاعلية بعض طرق المكافحة، مثل استخدام المصائد الضوئية التي تعتمد على جذب الذباب العاض بالأشعة فوق البنفسجية القريبة، حيث أظهرت دراسة في جامعة كاسيتسارت في بانكوك فعاليتها في جذب 27 نوعاً من الذباب العاض. واستخدام الفطريات الممرضة للحشرات كذلك مثل :  Entomopathogenic fungus  وأثبت فعاليته كوسيلة مكافحة بيولوجية ضد بعض أنواع الذباب العاض.

فإن إدارة المواقع التي تتكاثر فيها هذه الحشرات كذلك مثل: تجمعات السماد الحيواني والأعشاب المتحللة والتربة الرطبة، والحفاظ على بيئة نظيفة وجافة، يمكن أن يقلل بشكل كبير من أعدادها،  واستخدام مراوح هوائية في المواقع السياحية يساعد في إبعاد هذه الحشرات المزعجة.

أما بالنسبة للسياح، فينصح ارتداء الملابس الطويلة ذات الألوان الفاتحة لتغطي أكبر قدر من الجسم، واستخدام طارد الحشرات الآمن على الجلد، أثبتت الدراسات كذلك أن لبس بعض الأساور التي تصدر ترددات فوق صوتية تساعد على طرد بعض أنواع الذباب العاض والبعوض بشكل عام. وينصح تجنب الخروج في أوقات ذروة نشاط العارنوت إذا أمكن في ساعات الصباح الباكر وقرب الغروب خاصةً، والابتعاد -قدر الإمكان- عن مواقع تكاثره مثل : العيون المائية المحاطة بالأعشاب والأشجار الكثيفة.

وفي سبيل تقليل أعداد العارنوت في المواقع السياحية بمحافظة ظفار نفذت بلدية ظفار حملات مكافحة مكثفة في بعض العيون المائية باستخدام طرق عدة مثل: رش المبيدات الحشرية بطائرات بدون طيار؛ للوصول للمناطق الوعرة، والتضبيب الحراري الأرضي؛ لتغطية مساحات واسعة بكفاءة عالية، ورش التربة الرطبة على حواف العيون المائية؛ للقضاء على اليرقات والحد من التكاثر. واستخدمت البلدية مصائد خاصة تحتوي على مواد كيميائية جاذبة للذباب العاض توضع في أماكن استراتيجية. وعليه أسهمت هذه الجهود في تقليل أعداد العارنوت بشكل ملحوظ وتخفيف الإزعاج والأذى لمرتادي هذه الأماكن، وانعكس نجاحها على ردود فعلهم الإيجابية وارتياحهم.

 إضافة إلى الجهود الميدانية، شكلت البلدية فريقًا بحثيًا علميًا متخصصًا من باحثين متميزين من جهات بحثية وأكاديمية وحكومية؛ لإجراء دراسة متعمقة حول العارنوت في ظفار، بهدف تطوير استراتيجيات مكافحة فعالة ومستدامة مع الحفاظ على التوازن البيئي.

وفي الختام، فإننا ندعو إلى مزيد من البحث العلمي المتعمق لدراسة بيولوجيا وبيئة العارنوت والذباب العاض عامةً  في سلطنة عمان، تمهيدًا للتوصل إلى طرق إدارة متكاملة وفاعلة تحافظ على بيئة ظفار الطبيعية الفريدة، وتوفر بيئة آمنة ومريحة للسياح والسكان المحليين على حد سواء. ونؤمن بأهمية التعاون بين الجهات الأكاديمية والبحثية والحكومية والمجتمعية تحقيقًا لهذا الهدف، وحماية المقومات السياحية والبيئية لهذه المنطقة الاستثنائية في عمان. وهذا ما بادرت به بلدية ظفار بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حيث طُرح موضوع دراسة العارنوت بشكل علمي مكثف كتحدٍّ بحثي في برنامج البحوث الاستراتيجية، و قدمت بعض الجهات البحثية والأكاديمية مقترحات بحثية عدة  تنفيذًا للدراسة. وتعد هذه الخطوة مبادرة طيبة لحل أزمة العارنوت في ظفار.

About the Author