X638311283768843821

 



  

Banner-02638735669713724437

 

كيف تسهم أنظمتنا الغذائية في انبعاثات الغازات الدفيئة؟

12 Jun, 2024 |
  • خليفة بن سليمان الزيدي-باحث مشارك بمركز الدراسات والبحوث البيئة

    

ترتفع درجة حرارة السطح مع ارتفاع انبعاثات وتركيزات الغازات الدفيئة (الاحتباس الحراري) في الغلاف الجوي، وحسب البيانات الواردة في موقع الأمم المتحدة (العمل المناخي) فإن مناطق الأرض معظمها تقريبًا تشهد مزيدًا من موجات الحر في العقود الأخيرة، وإن العقد الماضي (2011-2020) كان أكثر العقود دفئًا على الإطلاق. 
إن ارتفاع درجات الحرارة يسهم في تفاقم الأمراض المرتبطة بالحر، ويشعل مزيدًا من حرائق الغابات، ويرفع من ديناميكيات عمليات التبخر وذوبان الجليد، وارتفاعها كذلك يؤدي إلى تسارع التغيرات المناخية مثل: زيادة موجات الجفاف، وتكرار العواصف الشديدة والأعاصير، وفقدان الأنواع الحية. 
وفي السياق نفسه، تشير الدراسات الحديثة إلى أن نسبة كبيرة من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية (تصل إلى حوالي الثلث) تأتي من أنظمتنا الغذائية، وتأتي هذه الانبعاثات من مصادر مختلفة في النظم الغذائية مثل: إزالة الغابات، وتغيير استخدام الأراضي، والانبعاثات الناتجة من الأسمدة والمبيدات الحشرية، وإطلاق غاز الميثان من الماشية، وأما تركيز تلك الغازات فيتصاعد؛  لاستخدام الطاقة في المزرعة، والانبعاثات من سلسلة التوريد مثل: عمليات تجهيز الأغذية، والتبريد، والنقل.
ووفقا للإحصائيات العالمية فإن عدد سكان العالم يزداد تماشيًا مع سيناريو الخصوبة المتوسط للأمم المتحدة الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على الغذاء؛ فالنظام الغذائي للفرد يتغير بزيادة الثراء، والتحول نحو أنظمة غذائية أكثر تنوعًا مع مزيدٍ من اللحوم ومنتجات الألبان، ونتيجة لذلك يستمر إنتاج الغذاء في الزيادة تناسبًا مع زيادة الطلب والتحسينات المستخدمة من الأسمدة والمبيدات، ثم تواصل معدلات فقد الأغذية وكثافة الانبعاثات الناجمة عن إنتاج الأغذية في الارتفاع، في حين أن إطعام سكان العالم البالغ عددهم حوالي 8 مليارات نسمة يعد مهمة أساسية؛ إلا أنه يأتي بتكلفة باهظة بالنسبة للمناخ.
 يستخدم إنتاج الغذاء ما يصل إلى نصف الأراضي الصالحة للسكن على الأرض، ويقدر تقرير عام 2019 الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أن ما بين 21% إلى 37٪ من الانبعاثات العالمية مستمدة من النظم الغذائية. 
ووفقًا لدراسة أجريت عام 2021 نُشرت في مجلة "" Nature Food فإن 57% من انبعاثات النظم الغذائية مرتبط بالأغذية الحيوانية و29% منها مرتبط بالأطعمة النباتية، وأن العمليات اللوجستية المرتبطة بسلاسل الإمدادات الغذائية تسهم في الانبعاثات مثل: تجارة التجزئة، والنقل، والاستهلاك، والوقود المستخدم، وإدارة النفايات، والعمليات الصناعية، والتعبئة والتغليف.
 وتبين الدراسات أيضا أن ثاني أكسيد الكربون يمثل نصف الانبعاثات المرتبطة بالغذاء -تقريبًا-، في المقابل يشكِّل الميثان - الميثان المترتب من الإنتاج الحيواني ومعالجة النفايات- 35% من هذه الانبعاثات. 
وسعيًا لتقليل البصمة الكربونية، تتخذ العديد من الدول والمنظمات بعض الإجراءات؛ لتقليل استخدام الأطعمة المشحونة جوًا  كيفما أمكن، وتقليل الانبعاثات الناتجة من النقل.
  إن تناول كميات أقل من اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان أو التحول من لحوم الحيوانات المجترة إلى اللحوم البيضاء والبدائل النباتية سيقلل من الانبعاثات بشكل أكبر.
 ويدعو ناشطو العمل المناخي أيضا إلى تقليل هدر الطعام، وتفعيل الممارسات الزراعية الخضراء، هذه الإجراءات جميعها يمكنها تحويل العالم إلى نظام غذائي أقل إنتاجية للغازات الدفيئة، وذي تأثير منخفض في المناخ.
وفي هذا الإطار فرضت المفوضية الأوربية في عام 2020 إجراءات تعطي قضايا البيئية والمناخ أولوية في سياساتها الزراعية، فيما عرف بالصفقة الأوروبية الخضراء " The European Green Deal" مما دفع المزارعين في العديد من الدول الأوربية إلى الاحتجاج، وقد أثَّرت حركة المزارعين التي بلغت ذروتها في يناير وفبراير من عام 2024 في معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والدافع وراء ذلك هو ارتفاع تكاليف الإنتاج الأخضر، والقيود البيئية التي فرضت عليهم، والإجراءات الإدارية المرهقة للنقل والتصدير الزراعي، وعملية الحصول على الوقود الزراعي كذلك، وفي يونيو 2022 عارض المزارعون في هولندا خطة الحكومة التي تهدف إلى الحد من انبعاثات النيتروجين عن طريق خفض أعداد الماشية، وفي ألمانيا كما هو الحال في فرنسا، خططت الحكومات رفع الضريبة على الديزل الزراعي كجزء من الالتزامات البيئية والمناخية بموجب الصفقة الخضراء؛ مما أثار احتجاجات أكبر من المزارعين، التي أدت إلى إغلاق الطرق السريعة في يناير 2024.      
وبعيداً عن التدابير الفورية التي اتخذتها الدول الأوروبية لتهدئة غضب المزارعين لا بد من النظر إلى هذه الأزمة الزراعية في سياق متكامل يقلل من تزايد الانبعاثات من جهة ويحافظ على مستويات تنموية مقبولة في القطاع الزراعي من جهة أخرى، مع ضرورة حفظ حقوق العاملين في هذا القطاع.
 ولا بد أن يعي الجميع طبيعة ما يأكلونه، وكيفية إنتاج هذا الغذاء وتجهيزه ونقله، ليسهم الأفراد والمؤسسات جميعهم في تقليل البصمة الكربونية، وأن تكون إجراءات الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر سلسة مدروسة كذلك؛ كي نستطيع تقليل الانبعاثات الغازية بل وتحقيق الحياد الصفري من الغازات الدفيئة أيضًا. 


 

About the Author

حسن اللواتي

حسن اللواتي

رئيس قسم الإعلام