عبق الجنة في أزمة الكورونا
زلفى بنت عبدالله البوسعيدية - كبير أخصائيين شؤون الطلبة- كلية الطب والعلوم الصحية.
في الصباح الباكر اعتدت الجلوس في شرفة منزلي العتيق التي تطل على الجبل الأخضر بطبيعته الخلابة الساحرة وأنا أرتشف قهوتي المفضلة بنكهة اليقين بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وينطلق الخيال بأن القادم أفضل بإذن الله؛ وسنرجع لننعم بسحر الطبيعة الخلابة مما كان يعكرها من مخلفات الحضارة البشرية واستنشاق الهواء العليل بعد أن حبست الأنفاس تحت الأقنعة تنتظر لتتنفس الصعداء. ولنستمع إلى صوت العصافير التي انطلقت في أجواء السماء الصافية الخالية من الملوثات وخرير الماء الصافي الذي يدغدغ الأحجار الفيروزية النائمة وصوت أوراق الشجر وهي ترقص على أوتار النسمات اللطيفة؛ ستأتي بإذن الله تلك الأيام وقد تخلصت أنفسنا من فوضى القلق والحزن جراء ما نشهده في هذه الأيام، بعدما أنهيت قهوتي، فتحت المذياع على القناة الخاصة بالأخبار لأستمع إلى جديد اليوم، فسمعت صوت المذيع يقول: "ما زلنا في قوقعة هذه الجائحة التي باتت تنتشر سريعا في جميع دول العالم بما فيها بلدي الحبيب، وما زالت أعداد المصابين والوفيات في تزايد؛ ابقوا في منازلكم.... والتزموا بكافة الإجراءات الاحترازيةً التي نصت عليها وزارة الصحة واللجنة العليا .... وأخيرا حفظ الله عماننا وطنا وقائدا وشعبا".
فرددت بعده آمين، وأخذتني أفكار جديدة في ماذا لو استمرت هذه الجائحة لمدة طويلة واشتدت الأزمة، واخذت تصيب الجميع بلا استثناء، وبلا رحمة. هل سيندثر كل جميل تخيلته هل ستبقى منطقة الجبل الأخضر حزينة، إذ انها منطقة متفردة في جمالها وسحرها، فمثلا نجدها متوشحة بوشاحها الأخضر الجميل المغطى بالزهور والورود في فصل الخريف، أما في فصل الشتاء فنجدها عروس بفستانها الأبيض ومرصعة بالرمان الأحمر وغيرها من المحاصيل الطازجة، أم سينجلي هذا الوباء من عبق الجنة وتعود المياه لمجاريها؟
فهل ستمهلنا هذه الجائحة لنهنأ بخيرات أرضنا الحبيبة وجبالها الخيرة بالأعناب والخوخ والتفاح الأصيل والرمان الأحمر: يا له من صراع داخلي مؤلم يعتصرنا حيال استمرار هذه الجائحة أو انتهائها! وأصبر نفسي وأحدثها لو نظرنا بتمعن وتدبر في بما حل لنا في هذا الوباء ومجتمعنا الحبيب؛ لوجدنا أنه جعل الجميع يصل لمستوى من الإدراك لم يعهدوه من قبل، ندرك جميعا الآن أهمية الوقت والحياة والعمل والصحة والأسرة وغيرها الكثير مما لم نقيمه سابقا، ويمكننا القول أننا نعيش في زمن يقظة جديدة، أي يقظة الروح وإحياء الضمائر؛ وتقدير لفرصة ثمينة منحها إيانا الخالق العظيم-قد لا تتكرر ابدا- لاستثمار طاقاتنا الإيجابية واستغلال أوقاتنا في تطوير ذواتنا وتمكين احتياجاتنا، وأهمها التقرب لله عزوجل بالعبادة والتأمل والذكر، مع الانتباه لصحتنا الذهنية والبدنية كممارسة الرياضة وإعداد الطعام الصحي بأنفسنا، والرجوع إلى الكتب التي تركناها على الرفوف مغطاة بغبار السنين، وبناء صداقات مميزة مبنية على المحبة والتفاهم والاحترام فمن يزداد تواصلهم في الأزمات دون المصالح هم من تدوم صداقتهم وترقى. ومن أبرز التطورات التي لم يعهدها تاريخ الأزمات الوبائية هو ما رزقنا الله من أحدث وسائل التكنولوجيا للتعليم ونشر المعرفة ليزيد العطاء والإبداع والابتكار وتبادل الآراء كلٌ في مجال تخصصه.
فلا يأس مع الحياة ولا ضعف بحول الله أمام هذا الكائن الذي تسلل إلى حياتنا بغتةً، سنعمل معا ونتعاون إلى أن ينحسر هذا الوباء ويزول بإذن المولى عزوجل، ستعود حياتنا مشرقة وجميلة كما كانت لأسرح في الخيال الجميل مرة أخرى لتدخل أختي وبيدها فنجان اخر تفوح منه رائحة البن الأصيل وبجانبه طبق الرمان الياقوتي الملامح مما التقطته يديها الحانيتين.
About the Author