- الدكتورة/ خولة الوهيبية، قسم الطب السلوكي.
تُعد الأزمات كالتعرض إلى الأمراض والفيروسات من الأحداث المهمة والمؤثرة في البلدان والمنظمات، إذ أصبحت جزءًا مرتبطًا ببيئة اليوم، كما تشكل مصدرًا قلِقًا لقادة المنظمات والمسؤولين فيها على حدٍّ سواء لصعوبة السيطرة عليها؛ بسبب التغيرات الحادة والمفاجئة في البيئة الخارجية، ووجود ضعف في إدارة هذه الأزمات مما يؤخر وجود حلٍّ مناسب وفاعل بسرعة.
ومن هذه الأزمات أو التحديات في الوقت الحالي، والتي تعد فريدة من نوعها، هي ما يُعرف بفيروس كورونا (Covid-19)؛ إذ إنه مرض لا علاج له، سريع العدوى، مكلف ماديًّا فقد بيّن وزير الصحة في تلفزيون سلطنة عمان أن تكلفة العلاج لمريض بفيروس كورونا (Covid-19) يصل إلى نحو (1000) ألف ريال عماني.
ولا يستطيع الشخص أن يحدد بدقة كيفية تأثرّه بهذا الفيروس حتى يحتاط، فالعالم بأكمله يعيش حالة من الرعب والتهديد، والأفراد في وضع مقلق نتيجة الحجر الصحي سواءً في المنازل أو المستشفيات أو الأماكن المخصصة لذلك باختلاف الحجر: الكلي والجزئي، وإثر التباعد الاجتماعي من أجل الحدِّ من هذه الجائحة وآثارها الصحية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية.
وكنتيجة لهذه الجائحة ظهرت مواقف والظواهر منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي على صعيد الفرد والجماعات نتيجة الخوف والقلق المصاحب لهذه الجائحة، ومن تلك الظواهر إلقاء اللوم على مجموعات معينة من الناس وتوجيه الإهانة إليهم أو النفور والتخوُّف من تقديم الخدمات الصحية لهم وهو ما يطلق عليه اسم "الوصم الاجتماعي".
إن التعامل مع الأشخاص بارتياب والتعرض لهم والتخوّف من التعامل معهم بسبب (Covid-19) يشعرهم بالقلق، خاصة الأفراد الذين أكملوا الحجر الصحي مؤخرًا ويظن أنهم ما زالوا مصابين بفيروس كورونا (Covid-19) وقادرين على نقل العدوى، رغم أنه حسب بينات منظمة الصحة العالمية لا يوجد دليل حول صحة ذلك.
إنَّ لوم مجموعة معينة أو وصمها بهذه الطريقة يمكن أن يكون مؤذيًا وخطيرًا؛ إذ يؤدي إلى جعل الأفراد أو المجموعات أهدافًا للإصابة بالاكتئاب والغضب، كما أنه يولِّد التحديات والانقسامات الاجتماعية التي تعيق جهود السيطرة على الجائحة.
ومن الفئات الاجتماعية التي يمكن أن تتعرض للوصم الاجتماعي في ظل انتشار فيروس كورونا (Covid-19):
المنحدرون من الدول التي ظهر بها الوباء.
المناطق التي ينتشر بها الوباء في الدولة نفسها دون غيرها من المناطق في الدولة نفسها
الأشخاص العائدون من السفر.
العاملون في مجال الرعاية الصحية وطواقم الطوارئ.
المرضى الذين يأتون لطلب العلاج بعوارض محتملة أو مشابهة لعوارض كورونا ويجدون أفرادًا من الكادر الطبي ينظرون إليهم بنظرات من الخوف وربما الازدراء، مما يجعل المريض يشك في نفسه أو يحث غيره على الامتناع عن الذهاب للمستشفيات نتيجة التعامل غير المسؤول من البعض، وهو ما قد يعرضه والآخرين للمرض.
الأشخاص المصابون بالفيروس وعائلاتهم وأصدقاؤهم.
الأشخاص الذين كانوا تحت الحجز الاحترازي لمدة 14.
يأخذ الوصم الاجتماعي أشكالًا عدة، ولا تخلو منه حياتنا الاجتماعية على مستوى الأفراد والجماعات، إذ يُحدد المجتمع القواعد المنظمة للسلوك البشري، وعليه يعد الخروج عنها محاسب عليها، وقد تكون هذه الأخلاقيات مجحفة في حقوق بعض الأفراد وتسلبهم راحتهم واستقرارهم النفسي، وتثير حولهم الإشاعات فيلتصق بهم الوصم، لذا وجب الانتباه لهذه الإشكالية حتى لا يفقد النسيج المجتمعي ثقته فيما يقدم له من نصح وإرشاد وإمكانيات علاجية.
ويمكن الحدّ من هذا الوصم الاجتماعي بخصوص كورونا (Covid-19) من خلال:
• الاطلاع على الحقائق بخصوص كورونا (Covid-19) من المصادر الموثوقة.
• مشاركة المعلومات مع الأسرة والأصدقاء.
• تصحيح المفاهيم الخاطئة في حالة سماع أو قراءة عبارات غير صحيحة عن فيروس كورونا (Covid-19) وعن أشخاص أو فئات اجتماعية معينة.
• التواصل مع الفئات المستهدَفة بالوصم وكيفية تقديم العون لهم بهدف الاستماع إليهم، وذلك من خلال المنصات الإرشادية النفسية والاجتماعية المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة داخل المجتمع.
• دعم العاملين في مجال الرعاية الصحية وغيرهم ممن يقدمون الرعاية للمصابين بفيروس كورونا (Covid-19)، وشكرهم على جهودهم.
• تقديم الارشاد النفسي والاجتماعي للكوادر الطبية طوال مدة الجائحة وباستمرار لتخفيف حدة القلق والخوف لديهم، حتى لا يذهب ما يبذلونه من جهد في غير موقعه، ومن ثم يؤثر على الخدمات التي تقدم للمريض وطريقة تقيمه والكشف عن سبب اعتلاله ومرضه بطرق سليمة لا ضرر منها ولا ضرار.
• التعبير عن الدعم والامتنان لجميع المرابطين في وظائفهم الأساسية مثل ضباط الشرطة وسائقي الحافلات وموظفي البقالات وموظفي بنوك الغذاء وعمال التوصيل.
• وجود مناوب من المتخصصين النفسيين والاجتماعين في أقسام الطوارئ أسوة بزملائهم الأطباء، وذلك بهدف تثقيف الجانبين عن كيفية التعامل بشكل حرفي مع المتقدم للعلاج دون الإيحاء إليه من الوهلة الأولى بأن ما به من عوارض هي عوارض كورونا (Covid-19)، إذ ربما يساهم خوف الطبيب والممرض من المريض بإصابته، وعند ترقب النتيجة تكون بعيدة كل البعد عن عوارض كورونا (Covid-19).
وفي النهاية يجب أن تذكر أن هذه الجائحة تؤثر فينا جميعًا، ورغم ذلك سوف تنتهي بإذن لله تعالى إذا تخلينا عن الخوف والشائعات واستعضنا عنها بالحقائق والتصرفات الصحيحة وإظهار الدعم لبعضنا بعضًا.
وربما تظل الجائحة موجودة معنا، ولكن الحياة لابد أن تستمر ولن تقف عند حدود أعراض كورونا(Covid-19) ، وذلك بالاستمرار في اتباع التحذيرات التي تبقينا خارج دائرة الجائحة إلى أن يوجد لها العلاج الناجع، وسوف تصبح بمنزلة تجربة مررننا بها تعلمنا منها كيفية التصرف السريع، في حال حصل - لا سمح الله - شيء مشابه.