X638311283768843821

 



Banner-02

أزمة وتعدي

11 May, 2020 |
  • زلفى بنت عبدالله البوسعيدية - كبير أخصائيين شؤون الطلبة- كلية الطب والعلوم الصحية.

استطاع كائن دقيق، لا يرى بالعين المجردة، أن يتجاوز الحدود _ في غمضة عين _ عابرا القارات والمحيطات ومستوطنا دولا كثيرة فمن سور الصين العظيم كان منبته، ليمتد إلى جبل فوجي باليابان، وليضرب بشدة إيران الحضارة والقارة العجوز، مرورا ببرج بيزا المائل في إيطاليا وقصور حمراء الأندلس، متجهًا إلى ساعة بيغ بن في بريطانيا، وتأرجح إلى تمثال الحرية بالولايات المتحدة الأمريكية لتصل إلى الخمسون ولاية، صعودا إلى أهرامات الجيزة في مصر، منطلقًا إلى المغرب العربي وبلاد الشام وبلاد الرافدين وشرق آسيا وأفريقيا وساحل العاج، مرورا بالمسجد الأقصى وصولا إلى دول مجلس التعاون شاملا بلاد الحرمين وسواحل السلطنة، وحتى تاج محل في الهند؛ محدثا الرعب والهلع على البشرية جمعاء، وقد تهاوت على إثره أرواح غفيرة، وازداد العبء على الأطباء والممرضين وكل من يعمل في المجال الصحي، والأمن والدفاع والشرطة واللجنة العليا؛ الذين نرفع لهم القبعة لتواجدهم كخط دفاع أول، ولسان حال الجميع يقول "يا رب العالمين اكشف عنا الغمة!".

بالرغم من الصعوبات والأحزان المصاحبة لهذه الأزمة التي يعيشها العالم اليوم، نجد في طياتها الخير الكثير، لعلها تفصح عن بشائر قادمة بإذن الله، فقد تظافرت الجهود في السعي للحد من انتشار هذه الجائحة، ونضحت الكثير من المبادرات التي عكست روح العطاء في المجتمع العماني، على سبيل المثال، تم إنشاء صندوق وقفي لدعم الخدمات الصحية؛ ليفتح المجال لأصحاب الأيادي البيضاء ليمدوا يد العون للمتضررين من هذه الجائحة، كما أنها فتحت الأبواب للشباب الذين لديهم ميول للابتكار والاكتشاف؛ لتقديم كل ما يمكنه أن يساهم في علاج هذا الوباء والحد من انتشاره، وفتحت آفاقا للتطوير والعمل الجاد في ظل العمل من المنزل، ومسيرة التحديث الدراسي التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والجامعات والمؤسسات التعليمية المختلفة في نظم وقواعد الدراسة عن بعد، كما تبنت الكثير من الشركات العمانية فكرة المداولات عن طريق الإنترنت، واستغلال المنصات الإلكترونية لسد احتياجات المجتمع بطريقة سريعة تقلل من التعرض للوباء وانتشاره، وفي ظل كورونا، أصبحت العولمة والتطور السريع في تقنية المعلومات والاتصالات بسرعة الضوء، وذلك عبر تطبيق برامج مختلفة مثل سكايب، اجتماع جوجل، وزوم؛ ليصبح العالم قرية صغيرة؛ ويحث على التواصل والاجتماعات واللقاءات والمناقشات والمؤتمرات وتبادل الآراء في مختلف التخصصات، والشخص في منزله وبلمسة زر، كما واكتسبنا معارف جديدة وشخصيات مؤثرة وملهمة عالميا. على الصعيد الاجتماعي والأسري، أتيح المجال للأسر لتجتمع مع بعضها البعض وتقضي أوقاتا طالما تمنوها في ظل تسارع عجلة الحياة ومتطلباتها التي لا تنتهي! وسنحت الفرصة لزيادة التواصل وقضاء الأوقات مع الأهل والأحبة؛ لبرهم واستلهام خبرات الحياة من كبيرهم ومشاركة الأبناء في حياتهم بتفاصيلها، وإدراك جوانب شخصياتهم التي نضجت وطالما غفل عنها الوالدين. وعلى المستوى الفردي أتيح للأفراد تنمية قدراتهم الشخصية، من أدب وفنون ومهارات تقنية وغيرها خارج الإطار المنهجي، إذ إنهم عادة لا يجدون الوقت الكافي لإنجازها في ظل الروتين اليومي المستمر في الأوقات العادية.

من ناحية أخرى، لا يمكن لأحد أن ينكر حجم الخسائر التي خلفها كورونا ولا يزال، كما ولا يمكن لأحد أن يتنبأ جازما بموعد رحيله، إلا أنه من الواجب علينا كمجتمع أن نبث روح الأمل في النفوس، وننتهج هذه السنة المحمدية التي تغافل عنها البعض، فقد جاء في الأثر تفاءلوا بالخير تجدوه، وعلى قدر البلاء يكون الجزاء، وليست تجربتنا مع إعصار جونو ببعيدة، إذ تظافرت الجهود وشحذت الهمم، التي صاحبها الصبر و الاستغفار والتوكل على الله، ونجحنا بعون الله في تخطي أزمة عسيرة آنذاك بإرشادات وحكمة قائدنا السلطان قابوس طيب الله ثراه. وإن شاء الله سنبقى على النهج الحكيم؛ الذي رسمه صاحب الجلالة السلطان هيثم حفظة الله ورعاه، في أن نصبر ونصابر ويؤازر بعضنا البعض برباطة جأش وقوة وعزيمة، امتثالا لأمر الله الذي قال في محكم كتابه: ((يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون))، ولنحتسب الأجر ويكفينا شرفا أن الله يحب الصابرين، كما أنه يجب علينا أن نلتزم بالإجراءات والتعليمات التي يرسيها المتخصصون، ولا نتوانى في اتباعها حفاظا على أنفسنا ومجتمعنا.

 

 

About the Author