X638311283768843821

 



  

Banner-02638735669713724437

 

الأخلاق والمتعلم الرقمي

27 Sep, 2020 |
  • د. زينب العجمي- باحثة تربوية- بوزارة التربية والتعليم.

في سنة (١٩٧٠م) كتب الفيلسوف إيفان إليش (Ivan Illich) كتابه: "مجتمع بلا مدارس"، حيث تنبأ الكاتب بنظام التعليم عن بعد بدون الحاجة لمعلمين، ودون حاجة لمدارس قائمة. لاحقًا؛ ومع تطور العلوم والمعارف ودخول العالم في الثورة الصناعية الرابعة أصبح كل شيء ذكيًّا صناعيًّا؛ واستجابة لذلك، أصبحت المدن والمنازل والسيارات ذكية، وكذلك المتعلم الرقمي الذكي، إذ أتاح العصر الرقمي قاعدة عريضة من خلال تفعيل التقانة في التعليم، ورغم الاتفاق حول أهمية استثمار التقانة في التعليم عن بعد، وما تحققه من منافع في المنظومة التعليمية؛ فإن هذه التقانة لها أبعادها في الإنسان، لاسيما: العاطفي والأخلاقي، فالمتعلم الرقمي في حاجة إلى الوعي بالأعراف الأخلاقية في إعمال التقانة بشكلها الصحيح، فأفعال مثل التنمر الإلكتروني والدخول غير المشروع والتصرف بالبيانات الخاصة وصولًا إلى المساس بالنظام العام والثوابت والقيم المعتقدات جميعها تخالف أعراف الأخلاق، وما هو قادم أكثر بكثير مما تحقق إلى الآن في التعليم الرقمي؛ إذ تتطور أدوات التكنولوجيا الحديثة سريعا بوتيرة سرعتها في التغيير.

ومن الثابت أن تكنولوجيا التعليم تعتمد على فلسفة تربوية متكافئة مع أصل التكوين الإنساني، ولكنها تنطوي في أصل استخدامها على اعتبارات فلسفية، فقد جرى تسويق التقانة فور تعلق المتعلم بها، ورصدت بعض الدراسات مجموعة من السلبيات في حالة الإفراط في استعمالها، "تمس الإنسان في إنسانيته ووجدانه وأخلاقياته ومركزيته في الوجود وتحكمه في التقنية ذاتها، كما تمس المجتمعات - في حالة الإفراط في الإدماج الدولي السوقي - في ثقافتها وهويتها" (فرحاتي، 2013، 509)؛ لذا فإن إعمال الاعتبارات الأخلاقية في التعلم الرقمي أمر تقتضيه متطلبات نظام التعليم عن بعد، فالتقانة من حيث طبيعتها الآلية تجانب الذكاء العاطفي والدفء الوجداني، والمهارات الاجتماعية، ولا تقدم متوالية معرفية من القيم، ولا تُعنى بتصويب السلوك الخاطئ. وإذا كان المعلّم مسؤولا عن تلبية حاجات المتعلم: العاطفية، والاجتماعية، والأخلاقية في نظام التعليم المباشر، فقد اختلف الأمر كثيرا في فلسفة التعليم عن بعد، وفي الأجهزة التي تبرمج محتوى المنهج التعليمي رقميًّا!.

على أن الأمر هو أبعد من ذلك بكثير؛ فنظريات السلوك الإنساني تؤكد أن الموضوع ليس مجرد أداة تحويل وإعادة إنتاج المادة العلمية، بل إعادة تشكيل السلوك الإنساني في أساس تكوينه بالدرجة الأولى من حيث المشاعر والانفعالات، والقيم والأخلاق؛ ولذا ظهر مفهوم "أنسنة" التكنولوجيا وشراكتها الإنسانية، فالمحتوى الإلكتروني الجيد لابد أن يراعي شخصيات المتعلمين، ويحقق أهدافهم العاطفية؛ وإلا تحول التعليم الرقمي إلى محتوى معرفي خالٍ من المشاعر الإنسانية والتفهم العاطفي، وغابت تنمية المهارات الاجتماعية عن العملية التعليمية.

من هنا، يظهر أن التربية الأخلاقية والعاطفية في التعليم الرقمي ضرورة لا غنى عنها، لأن الأخلاق ذاتها لا تفتأ تتعرض لألوان من الفساد، وما بقيت مفتقرة إلى معيار تمييزي لها؛ فإنها تجعل المسؤولية الأخلاقية والتجربة الحسية واجبة الوجود في التعليم الإلكتروني بما يمكن من تحقيق التربية السليمة المتكاملة لجوانب شخصية المتعلم الرقمي. وعليه؛ فإنه من الأهمية إعادة "قراءة العناصر الجوهرية في حقل الأنثروبولوجيا من قبيل الاهتمام بامتلاك الإنسان لبعدين، وتأصيل حقيقته الوجودية المتمثلة في الاهتمام بالبعد الروحي... والاهتمام بالكمال والسعادة الروحية والميتافيزيقية للإنسان، وأن يستفيد بنحو من الأنحاء من الوسائل التقنية، وأن يتحرر من قيودها في الوقت نفسه من خلال الاستفادة الصحيحة منها. وبذلك فإن ارتباطنا مع التكنولوجيا سيكون بسيطا ومريحا بشكل مذهل. وبهذه الرؤية لا إشكال في دخول التكنولوجيا إلى حياة الإنسان وأموره اليومية لوجود إمكانية دائمة وسهلة لخروجها أيضًا" (شيرواند، وعظيمي، 2019، 79).

ومجمل القول أنه لكي تكون دول العالم اليوم قادرة على المنافسة العالمية في التعليم، ومسايرة التحولات الكبرى في الاقتصاد، وتحقيق أعلى مراتب التقدم العلمي والتكنولوجي؛ فإنه ينبغي عليها إلى جانب تزويد المتعلم بالمعارف والمهارات أن تزوده كذلك بالقيم ومعايير الحُكم الأخلاقي.

About the Author