عام اليُتم
- آية بنت راشد المعمرية / كلية التربية.
في الثامن عشر من نوفمبر الماضي كتبتُ مقالًا بعنوان (في جمال عُمان)، كنت سعيدة جدا بذلك، لم أشعر حينها بصعوبة فالكلمات تتدفق وكأنها تتسابق لتصف شيئًا من جمال أبي قابوس، لم أكن أعلم يا أعز الرجال وأنقاهم أنني سأكتب في فقدكم رحمكم الله، ولكنني هذه المرة أعاتب الكلمات في حين لأنها ترفض تصديق ما أكتبه، وألتمس لها العذر في حين آخر لأن وقع هذا الخبر عليها أليم.
بدأنا عامنا هذا بفرحة غامرة، بخبر صادر عن ديوان البلاط السلطاني يؤكد بأن مولاي السلطان قابوس في صحة جيدة، أدركت حينها كم أننا شعب بسيطٌ جدا، فخبر مثل هذا جعلنا نخرج في الشوارع بمسيرات ولاءٍ وعرفانٍ، جعلنا نرفع الأكف بالدعاء (يا ربنا احفظ لنا جلالة السلطان)، جعلنا نشعر بالحياة مجددا ونبدأ عامنا الجديد بكل حب، كما عاهدناه "شعب قوي ودولة راسخة".
وفي العاشر من يناير تعصف الرياح وتهوي كرجل متعب على أبواب منازلنا، السماء تبكي بحرقة، لم أكن أعلم بأن للساعة عقارب ستوقفنا عند الساعة الرابعة فجرا وحالنا كحال الملدوغ المتعب، حيث أصدر ديوان البلاط السلطاني بيانا ينعى فيه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه، لحظات صعبة، أشعلت نيرانا في القلوب، أبكت الأعين، رغم ذلك الحزن الذي شعرنا به، كان ألم كبار السن أعظم فهم يعلمون تماما ماذا يعني اسم (قابوس) أخرجهم من ظلام الحرب والفتنة إلى نور السلام والتقدم، كما أن الأطفال لم يصدقوا ذلك فهم منذ فتحوا أعينهم على هذه الأرض الطيبة لم يسمعوا سوى اسمه، فأحبوه حبا عفويا صادقا.
لم نكن يا حبيب الشعب نعلم بأننا سنشهد مصابا جللا كهذا، فنحن منذ أن حكمت عُمان لم نخشَ من شيء، انتظرنا على شاشات التلفاز كان الوداع الأخير، إنها المرة الأولى لموكبك يا سيدي بدون أعلام بدون هتاف بدون تلويح يدك المباركة لشعبك الوفي، موقف تقشعر له الأبدان حينما حملك رجالك الأوفياء الذين صدقوا الله ما عاهدوا، يمشون مثقلين، يخفون حزنهم وألمهم يتظاهرون بأنهم أقوياء ليآزروا شعبا كاملا لا يقوى على توديع والده.
انتظرنا طويلا أن ينتهي ذلك اليوم الثقيل لعل ما رأيناه يكون أضغاث أحلام، ولكن ما نراه يؤكد لنا أنه الواقع.
ولكننا نؤمن بقضاء الله وقدره ولا نقول إلا ما يرضي الله، وسنعمل كما علمتنا سيدي، سنواصل البناء من أجل عُمان، ونسأل الله العلي القدير أن يحسن إليه كما أحسن إلينا، وأن يسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين وحَسُن أولئك رفيقا.
About the Author