كشفت أعمال التنقيب الأثري في ولاية الرستاق -اللثام- عن مستوطنة كبيرة ومتطورة يعود عمرها لأكثر من أربعة آلاف سنة
مضت، وتضم عدداً كبيراً من المباني الضخمة والمدافن.
فقد تم في موقع الطيخة الواقع على أطراف سلسلة جبال الحجر على الضفة الغربية لوادي الغشب بالقرب من التقاء وادي
السحتن مع وادي الغشب الكشف عن تلك المستوطنة من قبل البعثة الأثرية المشتركة بين قسم الآثار بكلية الآداب والعلوم
الأجتماعية في جامعة السلطان قابوس ممثلة بالدكتور خالد دغلس، وجامعة بيزا الإيطالية ممثلة بالدكتورة ساره
بيتزيمنتي(Sara Pizzimenti)، وبإشراف من وزارة التراث والسياحة في سلطنة عمان.
وقد باشرت البعثة الأثرية أعمالها في تنقيب الموقع مع مطلع شهر يناير 2022م، حيث يعتبر هذا هو الموسم الأول لهذه
البعثة، وهناك خطة عمل لمتابعة أعمال البحث والتنقيب في الموقع لسنوات عديدة في المستقبل.
أظهرت نتائج التنقيب الأثري أن الموقع سُكِن لأول مرة في الألف الثالثة قبل الميلاد، وذلك خلال العصر البرونزي
المبكر، ويمثل أحد مستوطنات ثقافة أم النار التي شهدت ازدهاراً كبيراً وواسعاً في شبه الجزيرة العمانية. ويمثل
الموقع مستوطنة كبيرة جداً امتدت آثارها على مساحة شاسعة من الأرض تزيد عن 70 هكتاراً، وهذا ما يجعل الموقع يمثل أحد
أكبر مستوطنات ثقافة أم النار في شبه الجزيرة العمانية.
وعثر في الموقع على عدد كبير من المباني السكنية متنوعة الأحجام تركزت في وسط المستوطنة، إضافةً إلى عدد كبير من
المدافن دائرية الشكل تنتشر في الجهة الغربية من المستوطنة، والتي كانت جدرانها الخارجية مبنية بشكلٍ متقن من
الحجارة البيضاء المشذبة. وتم كذلك الكشف عن عدد من الأبراج الدائرية الضخمة يزيد قطر بعضها عن أربعين متراً، وهي
مبنية من الطوب الطيني القائم على أساسات حجرية ضخمة، والتي انتشرت في مناطق مختلفة من المستوطنة.
ويشير وجود المباني العامة والأبراج الضخمة في المستوطنة على أهمية الدور الثقافي الذي لعبته المستوطنة خلال العصر
البرونزي المبكر، والتي ربما كانت تمثل مركزاً ثقافياً رئيسياً ومهماً في شمال سلطنة عمان بشكلٍ عام، ومنطقة سهل
الباطنة بشكلٍ خاص. كما تشير الكسر الفخارية واللقى الأثرية التي عثر عليها فريق التنقيب أن سكان المستوطنة كانت
تربطهم علاقات تجارية وطيدة مع الحضارت المجاورة، مثل: حضارة هارابا في وادي السند، وحضارة بلاد الرافدين. وقد دلت
بقايا أفران النحاس التي عثر عليها داخل المستوطنة أن السكان اعتمدوا بشكلٍ كبير في اقتصادهم على إنتاج النحاس وصهره
والاتجار به. ولم يتم العثور حتى الآن على مناجم النحاس التي تم منها استخراج النحاس، ولكن تسعى البعثة الأثرية
البحث عنها في المواسم القادمة.
وبشكلٍ عام، يُعد موقع الطيخة أول مستوطنة أثرية يتم التنقيب فيها من العصر البرونزي المبكر في محافظة جنوب الباطنة؛
لذلك سيتم إضافة الموقع على الخريطة السياحية لولاية الرستاق ليضفي عليها بعداً ثقافياً جديداً يزيد من غنى الولاية
بالمواقع التراثية والثقافية.