
د/ميادة نبيل الكتاتنى
أجرت الحوار: جمانة بنت ياسر العوفية
يحتفل العالم في الواحد والعشرين من يونيو من كل عام باليوم العالمي للموسيقى، ويأتي هذا الاحتفال بعد قرار وزير
الثقافة الفرنسي السابق “جاك لانج” بتخصيص يوم عالمي للموسيقى، وكانت بداية الاحتفال في فرنسا عام 1983، وبعدها
انتقلت الاحتفالات لجميع أنحاء العالم ليصبح اليوم الذي يحتفل فيه عشاق الموسيقى والألحان موعدا سنويا للاحتفاء
بإحدى الفنون الراقية والنبيلة والتي تساهم في خلق التواصل بين الثقافات والحضارات. بهذه المناسبة التقينا مع
الدكتورة ميادة نبيل الكتاتنى-أستاذ مساعد، ورئيسة قسم الموسيقى بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية في الجامعة-، وكان
هذا الحور معها، فإلى التفاصيل.
المعلم الأول
-كيف تشكلت صورة الموسيقى عبر العصور؟
كانت الطبيعة هي المعلم الأول للإنسان منذ العصر الحجري، كما كانت له المصدر الأساسي في التعبير عن نفسه وذاته، فقام
بمحاولات لتوظيف كل ما صادفه في المجتمع المحيط به من أدوات وأشياء بدائية لخدمة أهدافه في الحياة؛ لذا اضطرته
الحاجة إلى البدء في سلسلة من المحاولات لتطوير تلك الوسائل البدائية؛ لتكون أكثر فاعلية في أداء وظائفها، وقد
استغرقت تلك المحاولات أجيالًا متعددة توصل خلالها الإنسان إلى القدرة على إصدار أصوات موسيقية من آلات بسيطة صنعها
الإنسان،مثل: النفخ في أعواد الغاب الجافة، واستخدام آلات النقر والطبول، حتى اهتدى إلى التعرف على استخدام الوتر
إما من فروع الأشجار أو أمعاء الحيوان، كما تلت تلك المرحلة مراحل أخرى شاقة وطويلة استغرقت آلاف السنين أمكنه
خلالها تهذيب تلك الآلات بأنواعها المختلفة من آلات نفخ وطرق وآلات وترية.
وهكذا نجد أن الإنسان الأول قد توصل إلى النواة الأولى للموسيقى من خلال الاستعانة بعناصرها الأساسية من إيقاع ونغم
كوسيلة معينة له وعامل مساعد لقضاء متطلبات حياته اليومية، ولم يتوصل إليها كوسيلة للاستمتاع.
بين جدران المعابد
-متى شعر الإنسان لأول مرة بمدى حاجته للموسيقى كاحتياجه للضروريات في حياته؟
عندما بدأت الحياة في الاستقرار في المدنيات القديمة أخذت تتكون أمم وشعوب امتدت إلى كل بقاع الأرض، حيث تقدمت أساليب
المعيشة والحياة، ووسائل التعبير، كما تقدمت الفنون والمعرفة، فازدهرت حضارات ومدنيات أطلق عليها اسم “الممالك
القديمة”، كان من أهمها: الصين، والهند، وأشور، واليونان، والرومان، وكان على رأس تلك الممالك “الحضارة المصرية
القديمة” وما تحمله من رقي ومدنية شملت جميع مجالات العلوم والفنون والثقافة.
لذلك نجد أن الموروث الثقافي من موسيقى وغناء ورقص في حياة المصريين القدماء هو تراث حضارة إنسانية تحظى باهتمام
الملوك والآلهة، كما حظيت برعاية الكهنة ورجال الدين لدورها الأساسي في إثبات الشعور الديني داخل بيوت العبادة،
وبذلك نالت الموسيقى قداسة المعبد كما يذكر التاريخ أن الكهنة وكبار رجال الدين والدولة وعلى رأسهم الملك الإله
الفرعون، كانوا يولون -جميعًا- الموسيقى عناية خاصة لما لها من ارتباط وثيق بالحياة الدينية، ودورها الأساسي الذي
تشارك به في إقامة الطقوس والعبادات ومصاحبة الترانيم والصلوات الدينية.
كما كان لهذا التراث دورا هاما في حياتهم الدنيوية؛ إذ شاركت الموسيقى والغناء والرقص في شتى مناسبات الحياة
الاجتماعية، مما أثرى تراث الأدب الشعبي من عادات وتقاليد وأنماط للسلوك شملت مختلف طبقات المجتمع المصري القديم
بدءا بالملك الفرعون، وحتى فئات الطبقات الدنيا، ولا تقتصر أهميته على المصريين المحدثين فقط بل يشغل اهتمام كثير من
المجتمعات والشعوب في جميع أنحاء العالم.
في الحرب والسلم
-ما دور الموسيقى في تحريك الشعوب الثائرة وكيف أثرت الموسيقى على السياسة؟
منذ أقدم المدنيات كانت الشعوب الراقية تتوج فتوحاتها، ووقائعها الحربية، وانتصاراتها الرائعة بالموسيقى والأناشيد،
تكلل بها هامات الأبطال إذ تؤلف من جمهورها الحاشد صوتا واحدا مؤلفا من مئات ألوف الأصوات رجالا ونساء، كهولا
وأطفالا، يهزون الروابي والجبال من حولهم بأهازيج النصر في مقدم البطل محاطًا بجيشه المنتصر، فنجد أن الموسيقى لعبت
دورًا أساسيًا في حياة الشعوب الأوروبية، واستخدمتها الدولة في كل المهمات خلال السلم والحرب، وأكبر مثال على ذلك هو
ما فعله الملك”جورج الأول” في بريطانيا حينما مرت إنجلترا بسلسلة من النكبات في القرن السابع عشر منها: حريق لندن
الذي دمر العاصمة البريطانية، وتلته موجة وباء الطاعون الذي أهلك مئات الألوف من السكان، ثم تفجرت الحرب الأهلية
واستمرت عدة سنوات وأهلكت الضرع والزرع.
حينها أدرك الملك كل هذه المشكلات، وراح يفكر في كيفية جمع الجمهور حول عرشه القَلِق ودعم هذا الاتحاد الجديد، إذ
توصل إلى أن خير وسيلة لهذا الغرض الاعتماد على الموسيقى، فلا شيء يوحد الشعب ويجمع الشمل أكثر من الموسيقى.
قام بتكليف الموسيقار “هاندل” بتأليف أعمال تصب في محصلة الاتحاد والولاء للعرش، إذ اهتدى هاندل لفكرة تأليف عمل
موسيقي باسم «موسيقى الماء». تقوم بعزفه فرقةكبيرة على مركب يجلس في صدره الملك وحاشيته وحكومته، وينحدر على نهر
التيمز من غرب لندن إلى شرقها بحيث يرى الجمهور هذا المشهد العجيب، ويستمع لهذه الموسيقى المؤثرة التي ضمت الكثير من
الآلات النحاسية التي ترتبط أصواتها بالنظام الملكي والعرش والحماس الوطني. قامت موسيقى الماء بدورها واستمرت ليومنا
هذا في إثارة مشاعر السامعين.
أردف هاندل هذا العمل بأعمال موسيقية وأوبرالية هزت مشاعر الجمهور، وغرست فيهم وحدة الولاء للعرش، وقدمت في سائر
القاعات الموسيقية الرئيسية. فوجد أبناء الطبقةالوسطى ملاذًا لهم وميدانًا لعواطفهم تهدهد مشاعرهم نحو العرش.
وإذا نظرنا عبر تاريخنا العربي، نجد أن تاريخ الأغنية الوطنية في الوطن العربي -وخاصة في مصر- يرجع إلى أواخر القرن
التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إذ تزامن ظهور الأغنية الوطنية مع حركات التحرر والثورات الشعبية ضد الاستعمار
والاحتلال الأجنبي وبزوغ فكرة القومية وتطورها، واستُخدمت الموسيقى من خلال الأغنية الوطنية بمثابة الأداة لمقاومة
العدو الخارجي، وفي هذه الفترات لم تمتلك الشعوب غير الكلمة واللحن كوسيلة للتعبير عن مشاعر الغضب والسخط والقهر
والاستنفار التي تعاني منها ضد الاستعمار، ومن ناحية أخرى إظهار مشاعر حب الوطن، وبث مشاعر الوطنية في نفوس أفراد
الشعب من مختلف طبقات المجتمع بداية من ثورة 23 يوليوعام 1952 وحتى ثورة 25 يناير 2011.
الموسيقى العربية والغربية
-ما الشيء الذي يميز الموسيقى العربية عن غيرها وما الشيء الذي يميز الموسيقى الغربية كذلك؟
إذا تكلمنا من الناحية العلمية الأكاديمية، فإن ما يميز الموسيقى العربية عن الغربية هو احتواءها على ثلاثة أرباع
تون، والذي يقال عنه باللغة العامية الربع تون؛ لأن هذه المسافة غير موجودة في الموسيقى الغربية؛ لهذا اكتسبت
الموسيقى العربية هذا الطابع المختلف الذي يظهر من خلال تنوع المقامات العربية المختلفة والتي يصل عددها إلى أكثر من
350 مقاما مختلفا، كما تعتمد الموسيقى العربية في ألحانها أساسا على النظام “المونوفوني monophony أحادي الصوت”.
أما من الناحية الوجدانية فنجد أن الموسيقى العربية لها طابعًا خاصًا ومذاقًا مختلفًا؛ لأنها مزيج من موسيقى الشعوب
العربية كافة، وتعتمد أساسًا على الإيقاع والغناء المنفرد، إلى جانب تعدد وكثرة المقامات العربية –كما ذكرنا سابقًا–
والتي يعبر كل منها عن شعور وحالة مختلفة في كل انتقال مقامي بين النغمات العربية المختلفة.
أما بالنسبة للموسيقى الغربية تتميز بكونها تعتمد على موسيقى الآلات، إلى جانب الجوقات الغنائية، ولاسيما في
الأوركسترات والكورالات المتعددة الأنواع، كما أنها تعتمد على النظام «البوليفوني» مثل «الانسجام» (بالهارمونية)
الذي يعرّف بأنه تعدد الأصوات عموديًا، و«الطباق» ( الكونتربوان ) counterpoint والذي هو تعدد الألحان أفقيًا.